الحمد لله ، أدركت الحكومة الحالية أهمية التوجيهات الملكية ، بتشكيلها لجنة لصياغة إستراتيجية وطنية للإعلام ، وهي مطلب ليس بجديد ، ففي كتابي التكليف السامي للحكومتين السابقتين تم التأكيد على ضرورة تفعيل دور الإعلام ، ووضع استراتجيات واضحة له ، بعد أن فقد معالمه في الفترة السابقة ، إلا أنه للأسف لم تطبق هذه التوجيهات ، وتم تجاهلها في المرتين الماضيتين ، اللهم سوى تغيير مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون .
الأسبوع الماضي شكلت الحكومة لجنة لوضع إستراتيجية وطنية للإعلام ، وسيقع على عاتقها مهام كبيرة وثقيلة ، إذ عليها وهي التي يفترض أن تباشر عملها قريبا، أن تعي أن إعلامنا هو إعلام دولة ، وليس إعلام حكومات ، كما يبدو الآن على أرض الواقع ، حيث ان الإعلام بشقيه الرسمي والخاص يعمل لصالح الحكومات ، وينطق بلسانها ، ويعمل بروحها ، وينأى عما يثيرها ويزعجها ، ويتماشى مع مصالحها .. ناسية أو متناسية الدولة ومصالحها ، وما يترتب على ذلك من نتائج قد تضر بالمصالح العامة .
لقد أصبح الإعلام غير واضح المعالم ، بعد أن فُرغ من مضمونه وضاعت رسالته .. وابتعد عن تغطية جوهر الأمور ، ولم يعد يوجه الحكومات لمواطن الخلل ، بل أصبح يساعدها في طمس معالم الحقيقة ..
وفي محاولة لفهم ما وصل إليه إعلامنا ، نجد أن الحكومات المتعاقبة عملت على إضعاف الإعلام من خلال تدخلها السافر به ، والعمل على دفع كل رئيس حكومة لحليف له في أحد الموقع الاعلاميه ، فأصبح الموقع الإعلامي ؛ مكافأة يضمن من خلالها أن يستر الإعلام على عيوبه وذنوبه خلال فترة توليه الحكومة ، ويضمن بذلك غطاء واقيا حتى بعد مغادرته لها .
وتنشأ النزاعات بين القوى السياسية ، ورجالات الدولة من رؤساء الحكومات ورؤساء السلطات على تعيين الإعلاميين الذين يكافئونهم بمواقع إعلامية متقدمة .. وتبدأ عمليات الشد والرخي لصالح تنازع القوى لوضع كل منهم اتباعه في المواقع الإعلامية ويحرم منها الأكفياء أصحاب الخبرات والمهارات .
وللأسف تستجيب الحكومات لهذه الضغوط مستبعدة بذلك المصلحة العامة ، ويتحول ولاء وانتماء الإعلام الى أولياء نعمتهم وليس لصالح الدولة ، فكم من رئيس حكومة سلم صديقا له موقعا إعلاميا مميزا، نظير خدمات قدمها له ، وليس "كرمال" الوطن ، وفوق كل ذلك ، فالموقع الإعلامي ليس المكافأة الوحيدة التي يحصل عليها، فإلي جانب ذلك قبض البعض ثمن ولائه وانتمائه لرئيس الحكومة ، بأعطيات مختلفة تعدت المبالغ المادية ووصلت إلى امتيازات تضيق بها هذه المقالة .
لقد لعبت الحكومات بذمم بعض الإعلاميين من ضعاف النفوس ، فمنهم من قبض مبلغا نظير كتابة مقال طلب منه حول محور معين ، فتلك السيارات الفارهة ، التي يقتنها بعضهم ما هي إلا اكراميات على حساب خزينه الدولة ، بناء على تنسيبات من مسؤولين رفيعي المستوى ، وهناك إعلاميون عجزت الحكومات في البحث لهم عن منصب وظيفي " ان بسط او عظم " ، فتجد البعض في مواقع متعددة يقبض من أكثر من جهة ، يتم اختيار المكان المريح لهم ، وينتقلون من .. الى .. "دلال ما بعده دلال" ، وكل ذلك فقط لأنهم أصدقاء ، حلفاء ، " سميهم ما شئت " ، لكن لن يكونوا الاوفياء لان الوفاء والانتماء لا يكون لشخص معين ، مقابل مصلحة أو وظيفة أو غاية، إنما يكون الانتماء للأرض والمبدأ ، وترجمته بالعمل المخلص .
ويبقى السؤال ،من المسؤول عن افساد الإعلام ، وبعض الإعلاميين ، ومن المستفيد من تشويه صورة الإعلام الاردني ؟
آن الأوان لهؤلاء الذين يضعون أيديهم على الإعلام ، أن يرفعوا أيديهم عنه ، لتتمكن الأقلام من الكتابة بحرية بعيدة عن الضغوطات ، وليتمكن الإعلامي من أن يؤدي دوره وواجبه نحو دولته ، وحتى لا يكون عمله خدمة للإفراد على حساب خدمة الوطن .
وعليه أوجه ندائي إلى من يقيد حرية الإعلام ..."شيل إيدك" عن القلم ، ليتمكن من أن يكتب كما يشاء ، وليس كما تشاء .
سهير جرادات
Jaradat63@yahoo.com