أنَستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير
السوبر كمبيوتر " Super Computer " هو الحاسوب الرئيسي أو العملاق، حيث أن من أهم خصائص هذا الحاسوب هو السعة العالية للذاكرة، والسرعة الفائقة لوحدة المعالجة المركزية أو وحدات التشغيل، والتي تصل حالياً إلى بضعة تريليونات عملية بالثانية، وتَوفر عدة موانئ إدخال، وكذلك عدة موانئ إخراج، وقدرته على انجاز عمليات بشكل متوافق، أو ما يسمى بالعمل على التوازي لاستغلال وقت الجهاز بشكل مثالي، وقدرته على انجاز العمليات بشكل متسلسل أي على التوالي، مما يعطيه القدرة وإمكانية التواصل مع عدة جهات في أن واحد، وبعدالة في توزيع الوقت بين المستخدمين تصل إلى دقة تقارب جزء من المليون من الثانية، بالإضافة إلى قدرته على الإحاطة بمعلومات عن أكثر من عِلم وتخصص، ولمن يرغب باقتنائه يجد له به مآرب أخرى.
ولقد ارتأت بعض الدول استخدام هذا الجهاز في مؤسساتها المختلفة ومن هنا نشأ مفهوم الإدارة المحوسبة أو الحكومة الالكترونية، نسبة إلى إدخال الحاسوب المركزي في دوائر الدولة حتى يعين الموظفين في أعمالهم، وفي بعض الحالات يكون بديل عنهم كما هو الحال في خدمات الرد الآلي، أو الحصول على وثيقة رسمية أو سحب مبلغ من المال من احد البنوك وهكذا.
ونجد من خلال التعامل مع هذا الجهاز أنه مطيع، ولذا يسميه البعض بالخادم " server " نسبة للكم الهائل من المعلومات التي يقدمها عند الحاجة، ومن دون تأفف، أو تضجر، أو غضب، أو إضراب، أو اعتصام، أو المطالبة " بخاوة أو حلاوة" أو إضاعة لوقت العمل بزيارات داخلية وخارجية، فهو ثابت، مرابط لا يفارق مكانه.
بالمقابل يمكننا إجراء مقارنة، ربما يرى البعض أنها "غير عادلة" بين أداء جهاز أصم كإحدى الأجهزة السالفة الذكر، وأداء بعض الموظفين الذين يفتقدون ولو للحد الأدنى من المعلومات، والتي لا يقدموها إلا بمِنة وبكثير من التأفف، والتضجر والغضب، وبتلهف للتمنع المتمثل بالإضراب والاعتصام، والمطالبة " بالخاوة و الحلاوة"، وكثيراً ما يتلذذون بإضاعة لوقت العمل باللعب على جهاز الحاسوب، الذي وضع بعهدتهم لكل شيء إلا للتسلية!
ألا يخجل البعض من أن يكون جهاز أصم مبرمج، انفع لوطنه وأكثر عطاء وعزماً منهم؟
قد يرى البعض بأن المقارنة، بين الإنسان صاحب الأحاسيس والعواطف والمشاعر والقلب الكبير من جهة، وجهاز الحاسوب العملاق بقدراته وإمكانياته وسرعته، من جهة أخرى غير عادلة كما أسلفت، فهذا مكرم ومفضل على ذاك، لقوله تعالى:
) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًِ( ، أقول بالتأكيد وأنا أول المسلمين، ولكن ذلك التكريم والتفضيل يأتيان من باب النِعم التي سنُسأل عنها وعن مدى تفعيلها واستخدامها في مكانها الصحيح. إن التكريم والتفضيل المذكورين أعلاه، يشيران إلى نعمة العقل أولاً، فبه عرفنا خالقنا، وأطلعنا على آياته وقدراته وحكمته، فحق علينا عبادته، بما هو أهل له، والإشارة إلى العمل واضحة في الآية الكريمة أيضا، من حيث ذكر فعل الحمل في البر والبحر، ففي نفس الآية إذن إشارة إلى الأفضلية والتكريم وربطهما بالعمل.
هنا تبرز حقيقة لا بد من التعاطي معها في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية والعملية، والتي تعتبر الأقرب إلى الفكر والإيمان وهي:
إذ كنا مستخلفون في الأرض وعلينا يقع واجب إعمارها، بما فضلنا الله به كما اشرنا إليه سابقاً، أيحق لأحدنا الانسلاخ من واجباته الوطنية أو الجماعية، ويمتنع عن العمل غير آبه بحقوق عباد أو بمسائلة خالق؟
أليس كل منا على ثغرة من ثغرات الوطن فلا يؤتين من قبله؟
السنا نحن من حُمِل الأمانة فحملناها؟
السنا محاسبين على ما قبلنا بحَمله واحتماله ؟
هل من الوفاء أن ينقلب الواحد منا على عقبيه، لسبب ولغير سبب! وان كان معه الحق وان لم يكن؟
أقول في النهاية بأن الأفضلية إنما تكون من خلال تميزنا على غيرنا من المخلوقات بالعطاء المخلص، والابتعاد عن القطيعة، والفظاظة وغلاظه القلب، والتحاور العقلاني والمجادلة بالتي هي أحسن، فهذه كلها لا يمكن أن يمتلكها إلا الإنسان الذي ذكرت صفاته بالآية الكريمة أعلاه.
خلاصة القول: أن لم يكن ذلك، فربما كان من الأفضل استخدام بضعة من أجهزة الحاسوب العملاقة لتأخذ أماكننا، فلا يتعطل بوجودها مصلحة وطن أو مواطن!
muheilan@hotmail.com