إن مصطلح الهندره السياسيه تم اشتقاقه مما يسمى بالهندره في علم الاداره وهي اعادة التفكير المبدئي و الاساسي و اعادة تصميم العمليات الادارية بصفة جذرية بهدف تحقيق تحسينات جوهرية فائقة و ليست هامشية تدريجية في معايير الاداء الحاسمة مثل التكلفة و الجودة و الخدمة و السرعة في منظمات الاعمال ، وتعد الهندرة احدث صيحة في علم الادارة اليوم بعد ان تمكنت عدة شركات رائدة من تحقيق نتائج لم يسبق لها مثيل في عالم التطور و التحسين المستمرين جراء تطبيق عملية الهندرة وسارعت الشركات اخرى في مختلف انحاء العالم الى اعتناق هذا الاسلوب الاداري الجديدة و توظيفه لتطوير مختلف جوانب العمل فيها .
وان الهندره السياسية تنطوي على فكرة الاصلاح بكافة حيثياته ؛ ومتعلقه بالمنطلقات والمبادئ الحاكمة للإصلاح؛ فالإصلاح لغة ضد الإفساد، والصلاح ضد الفساد؛ حيث يقال أصلح الشيء: أزال عنه الفساد، وصلح الشيء زال عنه الفساد ، فالإصلاح ترقية وتحسين وتطوير إلى الأفضل والأرقى. ولكنني أقول بشكل مبسط أن الهندره السياسية هي تطوير، تغيير، تحسين في عناصر المنظومة الاقتصادية، والسياسية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، لأنه لو لم يتحقق الإصلاح في كل هذه المجالات بطبيعة الحال؛ فسوف يكون حصاد الإصلاح و ثماره متواضعة للغاية؛
فهل يُتَصوّر أن يتحقّق إصلاح اقتصادي دون إصلاح اجتماعي، ودون إصلاح في نظام التعليم؟ نحن نعلم أن إصلاح نظام التعليم هو مفتاح تكوين رأس المال البشري؛ فتنمية الموارد البشرية شرط لازم لإنجاح النشاط الاقتصادي؛ فلا يمكن أن يتحقق نشاط اقتصادي بغير بشر، أحسن تعليمهم وتأهيلهم، وبالتالي الإصلاح الاقتصادي نجاحه يتوقف ضمن ما يتوقف على إصلاح منظومة التعليم، أيضاً الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى قدر من الإصلاح السياسي، ونرى أن شمول المجالات المختلفة أمر متفق عليه ، وبالتالي الحديث عن إصلاح جزئي هنا وهناك لن يعطي ثماره المرجوة والمبدأ الحاكم الثاني هو التدرج والمرحلية ، لأننا لو لم نسلك سبيل التدرج والمرحلية في طريق الإصلاح سوف نكون بعد الحديث عن ثورة ، ثورة تغيير جذري في كافة الأنساق .
ولا بد أن تكون هناك رؤية حاكمة لإستراتيجية التغيير؛ فلا يمكن أن يحدث إصلاح بدون رؤية، وكافة التجارب التي نجح فيها الإصلاح، وحققت تقدماً اقتصادياً وسياسياً بُنِيَتْ تلك و تأسّسَتْ على رؤية متبلورة واضحة المعالم ومحددة الأبعاد ، رؤية تحدد أهداف الإصلاح وأهداف التقدم وتحدد أساليب تحقيق التقدم ، وتبين آليات تحقيق التقدم ، وكيفية توزيع عوائد التقدم
وحتى في الهندره السياسية ان ناخذ بعين الاعتبار أن توضع استراتيجيات لمن يقاوم التغيير ويقاوم الإصلاح؛ فأي إصلاح أو تغيير لابد من أن يكون له أعداء ومقاومون، ولابد من أن يكون له مناهضون في أي مجتمع من المجتمعات، وذلك لتضرر مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالمهم أن تتضمن أيضا إستراتيجية وفلسفة الإصلاح، أياً كان المسمى الذي سوف نستخدمه، وتحديد ووضع بند مع من يقاوم ذلك التغيير؛ فهل يقاوم هؤلاء بالعنف؟ وهل يتم التعامل مع هؤلاء من خلال الحوار أو الاستيعاب؟ فالمهم أن يكون هناك سياسات وآليات للتعامل مع هذه الفئات التي تصور على أنها ستأخذ موقفاًَ مضاداً للإصلاح.
و لكي تنجح الهندرة السياسية في مهمتها على متخذي القرار ان يكون لديهم تصورا واضحا لاهداف التغيير و القدرة على تهيئة الشعوب لقبول مبدا التغيير الجذري من اجل التطوير حتى لا تؤول التجربة الى الفشل الذي يرجع في الكثير من الحالات القليلة اما لسوء فهم الهندرة نفسها و اما لتطبيقها بطريقة خاطئة .
رئيس قسم ادارة الاعمال / جامعة الاسراء
bsakarneh@yahoo.com