الحياة حالة تفاعليّة قلّما تبذل جهداً ولا تجد نتيجة ، ما عدا أن تبذر ظنّك في الخير الذي لن ينقطع الى يوم الدين ، فبعض من فعل الخير في هذه الايام المباركة ، قد يوهم نفسه في البدايه بسلامة نتائجه ولا ضير في ذلك ، لكن ان تفعل الخير من اجل التبجح والكبر ذلك ما يجعلك تشقى في نعيم الوهم ثم تشكو صلف مآلك ، فهذا ما لا يمكن وضعه في خانة الجهد التفاعليّ المبنيّ على الأخذ والعطاء الذي يسوقك للخير .
في الحياة اليومية ، يجب أن تعطي لتأخذ ، ونحن في هذا الشهر الفضيل "شهر رمضان المبارك" الذي اختصه الله لنفسه دون عن أشهر السنة ، واعتبره فرصة للناس ليكون لهم الوسيلة الأسهل للعطاء وللتوبة طالباً الغفران والتكفير عن أعمال سنة مضت فيها أحد عشر شهراً لا يدرى الواحد منا كيف مضت ، هل كلها خير أم فيها تجاوزات أضافت إلى ذنوبنا..
كلنا ندرك معنى شهر رمضان وروحانيته التي تدخل على النفوس الطمأنينة رغم كل الظروف التي تعيشها الكثير من الأسر هذه الأيام مع تصاعد قسوة الحياة تحت وطأة ظروف معيشية اقتصادية صعبة ، لكن رمضان شهر كريم فيه بركة ورحمة للمستضعفين في الأرض ، جعل الله فيه رزقاً للفقراء من أموال الأغنياء ليس للأكل والشرب في رمضان بل جعله وسيلة للفقراء للإنفاق خلال العام من خلال ما ينفقونه على القوت الضروري ويدخرون منه لوقت الحاجة وجعله رحمة للمستضعفين من خلال تسخير الناس بعضهم لبعض لفعل الخيرات ومواساة المحتاجين والسؤال عنهم والمشاركة في رفع البلاء والهموم عنهم ولكن الناس جعلوا من رمضان فرصة للتفاخر في الموائد ومحاباة المقتدرين بالتودد إليهم وفرصة للسهر والتسوق والنوم في النهار الذي طالبنا الله بالعمل والسعي لطلب الرزق والاصطبار على خواء المعدة ليعلم من الصائم حقاً والصابر على نزاعات الغضب .
لكننا وفي هذا الشهر الفضيل سنبقى مستمرون في إتباع عادة اللهث وراء أصناف الطعام والجري لشرائها في الأسواق التي يستغل تجارها لهث الناس وطلبهم لها دون إدراك من الناس أن ما يفعلونه إنما هو إساءة لهم ولمقدراتهم المادية وإساءة لروحانية الشهر الذي اختصه الله لنفسه ليقرب عباده التوابين المستغفرين الراجين رحمته إليه فيرحمهم ويغفر لهم ويعتق رقابهم من النار عندما يقومون لعبادته وهم خفاف قادرون على الحركة دونما إحساس بالضخمة ولا بالنعاس.
صدقوني من يتبع معاني الشهر الروحانية والمادية لن يفكر من شهر رجب باللهث في الأسواق لشراء الملابس وأنواع الطعام ليخزنها في بيته، ولن يخاف أن ترتفع الأسعار وتختفي كل هذه الأشياء من الأسواق لأن التجار لن يجدوا في هذا موسماً لهم ليصرفوا بضاعتهم المخزونة وبالأسعار الجديدة ولن يحتكرونها لأن المشتري سيذهب إليها في وقت فراغه في أي يوم من أيام السنة أو رمضان عندما لا يشغله ذلك عن تأذية فروضه التعبدية لله سبحانه وتعالى.
واخيرا .. وقد مضينا إلى أواخر الشهر الفضيل، تستطيع ان تهذب نفسك بالايمان وتصون حقك في حياة كريمة ، وتتحدّث بقوة في ساعة المواجهة مع الحياة ، كي لا يخنقك الغبار المتراكم في شقوق حنجرتك ، وتتفاعل مع الحياة بطريقتك لا بطريقتها ، لتصل حيث حطّت قوافل حظّك ، وحينها تستجدي التهذيب والتقنين في ذاتك لترقى وتنجح وتكون مبعثا للخير والبركة .
وفي النهاية هو الخير الذي لن يتقطع من امتنا