البيروقراطية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وهي البنى والهياكل التي يقوم عليها تنظيم السلطات الإدارية وتوزيعها بطريقة هرمية، وتحديد الصلاحيات وتسمية المسؤولين وتراتبيتهم، في أي إطار منظم وفق القوانين ويخضع لسلطة معينة. ويشيع استخدامها في وصف هياكل الإدارة الرسمية التابعة للحكومة في بلد ما وقوانينها ونظمها وموظفيها. وهنالك العديد من الأمثلة على البيروقراطية المستخدمة يومياً: الحكومات، والقوات المسلحة، والشركات، والمستشفيات، والمحاكم، والمدارس والجامعات وغيرها.

في ظل التطور السريع للتكنولوجيا ووسائل الاتصال، أصبح الحديث عن مفهوم الحكومة الإلكترونية من أكثر المفاهيم تداولا عند الحديث عن تطوير الإدارة في القطاعات العامة والحكومية خلال العشر سنوات الأخيرة. ظهر مفهوم "الحكومة الإلكترونية" أول مرة على المستوى الدولي في أواخر سنة 1995، حين شرعت هيئة البريد المركزي في ولاية فلوريدا الأمريكية في تطبيقه. لكن مؤتمر نابولي بإيطاليا الذي عقد في شهر مارس من سنة 2001 يعتبر البداية السياسية لهذا المفهوم (Global Forum on Reinventing Government). والحكومة الالكترونية يمكن تعريفها بأنها استبدال الطريقة التقليدية بنظام حديث يعتمد على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإدارة العامة والاتصال وحفظ المعلومات بين إدارات الحكومة بعضها البعض وبينها وبين المواطنين والمؤسسات للارتقاء بجودة الأداء، ولتحقيق إدارة عامة أدق، وأسرع، وأكثر فاعلية وشفافية، وبتكلفة أقل على الأمد الطويل.

يعتبر الكثيرون ان الدول الأوروبية، خصوصا إيطاليا وألمانيا وبلجيكا، من أكثر الدول بيروقراطية. كما، وبحسب الكثير من الخبراء، ان اهم الأسباب البيروقراطية المفرطة في الدول الأوروبية هو العمل على مبدأ توزيع السلطات والمهام بشكل كبير وخصوصا بعد الخروج من الفاشية والنازية والخوف من العودة الى السلطة الواحدة.

كما وتعتبر البيروقراطية، بتعقيد إجراءاتها وتشابكها، العدو الأول للحكومة الإلكترونية، بالإضافة الى انها تفتح الباب واسعـا أمام وسائل الفساد للانتفاع منها واستغلال تعقيداتها في تحقيق مكاسب جزئية للقائمين عليها.

من الجدير بالذكر ان الدول الأوروبية، خلال العشر سنوات الأخيرة، قامت بعمل الكثير من الخطوات والمبادرات لتحسين كفاءة وأداء القطاع العام. وبحسب التقرير الذي نشرته مفوضية الاتحاد الأوروبي (27 من أيلول 2023)، الذي يتضمن تقييم أداء الحكومات الإلكترونية (eGoverment) للدول الأعضاء، الدنمارك ومالطا هما الدولتان الوحيدتان في الاتحاد الأوروبي اللتان تقدمان جميع الخدمات عبر الإنترنت دون الحاجة لزيارة الدوائر الحكومية، أما في بقية دول الاتحاد فإن 84% من الخدمات الحكومية تجري عبر الإنترنت. وذكر التقرير أن من أهداف الاتحاد الأوروبي الرقمية، توفير جميع الخدمات العامة الرئيسية إلكترونيًا بحلول عام 2030.

على الصعيد الإيطالي، قامت إيطاليا مؤخرا بالعديد من الخطوات نحو الحكومة الإلكترونية، كعمل قاعدة بيانات موحدة لتوحيد جميع الدوائر الحكومية، واعتماد نظام الهوية الرقمية الموحد (Il Sistema Pubblico di Identità Digitale - SPID) للدخول على جميع الخدمات الحكومية لعمل الوثائق الرسمية (اصدار الشهادات كشهادة الميلاد والزواج وغيرها) والإقرار الضريبي، وبالإضافة الى اعتماد مكاتب البريد المنتشرة في كافة المدن الإيطالية كمراكز شاملة لعمل وإصدار الكثير من الوثائق الحكومية.

بالتأكيد ما زال الكثير من التحديات امام الدول الأوروبية، خصوصا إيطاليا والمانيا، لأتممة جميع الخدمات الحكومية وللوصول الى الحكومة الإلكترونية الكاملة والشاملة، ولكن لابد من الإشارة ان تحول الدول الأوروبية المعروفة بالبيروقراطية المفرطة نحو الحكومة الإلكترونية، يتعبر من الأمثلة الناجحة والتي يمكن الاستفادة منها.

أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني تحديات الحكومة الإلكترونية بمفهومها الشامل في الأردن، فعلى الرغم من ان هناك العديد من التجارب الناجحة على مستوى وزارة أو دائرة، لكن غياب الاستراتيجية الشاملة والتشاركية مع القطاع الخاص ادى إلى عدم التجانس في عملية تنفيذ التحول الرقمي في السنوات الخمس الأخيرة، وبالتالي عدم تجانس التجربة بمختلف الوزارات. وبالإضافة الى ان غياب الترابط في الخدمات الإلكترونية أدى إلى ضعفها. إذا، نحن بحاجة الى استراتيجية متماسكة وواضحة المعالم، تتماشى مع الأهداف والأولويات وبما يشمل خطة تمويل وميزانية كافية قابلة للتطبيق، من حيث اعتماد نهج متكامل يسهم في صياغة السياسات التي تواكب التطور الرقمي، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الاخرى. وكما لابد من تهيئة البنية التحتية للاتصالات بحيث تكون مهيئة لعملية التحول الرقمي لمواكبة التطورات التقنية، وتطوير وتدريب القوى العاملة والمتعاملين على أساليب التعامل والتكيف مع التكنولوجيا المتطورة، إضافة إلى تحديث القوانين والتشريعات اللازمة ذات العلاقة والتي ستخدم عملية التحويل.