دور المسؤولية المجتمعية في تعزيز العلاقات المحلية
صالح سليم الحموري
06-04-2024 01:03 PM
منذ عام 2008، أعمل في مجال المسؤولية المجتمعية للمؤسسات (CSR)، وبفضل الله، كنت من الرواد في هذا المجال على مستوى الوطن العربي. لقد قدمت أكثر من 200 دورة تدريبية ومجموعة كبيرة من الاستشارات واعداد الأدلة المتخصصة في هذا المجال في دول متعددة. أرغب في مشاركة قصة ملهمة أخبرني بها أحد المتدربين من دولة الكويت. أفاد بأنه تلقى تعليمه في بريطانيا ودرس مادة المسؤولية المجتمعية للمؤسسات. عند عودته إلى الكويت، تم تعيينه في شركة متخصصة في البحث عن البترول. لاحقًا، تم اختياره للانضمام إلى مشروع دولي لإنشاء شركة بحث عن البترول في إحدى الدول العربية، حيث شارك في تأسيسها.
خلال تطوير الهيكل التنظيمي للشركة، لاحظ غياب إدارة مختصة بالمسؤولية المجتمعية. فاقترح على المدير التنفيذي إنشاء مثل هذه الإدارة، ورغم بعض المعارضة من مجموعة من المسؤولين الذين اعتبروا ذلك تكاليف إضافية غير ضرورية، إلا أنه بعد نقاشات مستفيضة، تمت الموافقة على الاقتراح وتعيينه كمدير لهذه الإدارة.
بكل حماس، بدأ بتطبيق ما تعلمه وعشقه في مجال المسؤولية المجتمعية، فوضع خطة استراتيجية شاملة تغطي الجوانب "الاجتماعية، البيئية، والاقتصادية"، مع التركيز على توظيف سكان المنطقة وتدريبهم للعمل في مجالات مختلفة ذات صلة بنشاط الشركة. كما أصر على شراء مستلزمات الشركة من المحلات المحلية لدعم الاقتصاد المحلي.
يا للأسف، واجه المشروع صعوبات جمّة بسبب الأوضاع المتقلبة في الدولة المضيفة، مما أجبر جميع الشركات الأجنبية على مغادرة المنطقة. ولكن، عند عودتنا بعد عدة أشهر، كانت المفاجأة السارة أن أهالي المنطقة قد تولوا حماية مقر الشركة وحالوا دون وقوع أي أعمال تخريب، مما يبرز بوضوح التأثير الإيجابي للمسؤولية المجتمعية في تعزيز وتقوية العلاقة مع المجتمع المحلي.
هذه القصة تبرز أهمية المسؤولية المجتمعية للمؤسسات في تعزيز العلاقات الإيجابية مع المجتمعات المحلية وضمان استدامة الأعمال والمحافظة على متانة العلاقات المجتمعية على المدى الطويل. فعندما تتصرف الشركات بأخلاقية وتندمج بشكل إيجابي مع المجتمعات المحلية، فإنها لا تساهم فقط في التنمية المستدامة للمنطقة، ولكنها أيضًا تبني سمعة طيبة وتحظى بدعم وولاء المجتمع، مما يعود بالفائدة على الشركة نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر هذه القصة أن المسؤولية المجتمعية للمؤسسات ليست مجرد مسألة أخلاقية فحسب، بل هي أيضًا استراتيجية ذكية للأعمال تساعد على تحقيق الاستقرار والأمان للشركات حتى في الأوقات الصعبة. فمن خلال التركيز على الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، تستطيع الشركات بناء جسور الثقة والاحترام مع المجتمعات التي تعمل فيها، مما يعزز من قدرتها على التكيف والنجاح في بيئات متغيرة ومتقلبة.
تعلمت من خلال خبرتي في مجال المسؤولية المجتمعية للمؤسسات أن النجاح الحقيقي للشركات لا يقاس فقط بالأرباح، ولكن أيضًا بمدى تأثيرها الإيجابي على المجتمع والبيئة. وأعتقد أن هذا المفهوم يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الشركات واستراتيجياتها، لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للجميع.
* كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، خبير التدريب والتطوير