النزق .. رحلة في عالم الطيش والتسرع
د. نعيم الملكاوي
04-04-2024 09:13 PM
في متاهات الحياة ، تتجسّد لحظات النزق كنقطة سوداء تعكر صفو الأفق ، سواء في نسيج الدول أو في أعماق النفوس البشرية . تنعكس تلك الحالة في السياق السياسي على شكل اضطرابات تهزّ أركان الدول ، بينما تندرج في السياق النفسي والاجتماعي على شكل اضطرابات عاطفية واجتماعية تستبيح انسانية الفرد .
لا بد من تعريف النزق لغوياً قبل الشروع في تحليل مكنون شخوصها ، إن كلمة "نزق" تشير إلى الطيش والتسرع وقلة الصبر والتهور في السلوك أو التصرفات . تُعبر عن الشخص الذي يتخذ القرارات بشكل متسرع دون تفكير عميق أو تقدير للعواقب ، وغالباً ما يكون لديه رغبة قوية في التغيير وعدم الاستقرار في الرأي أو الحالة . النزق يعكس الاندفاع وعدم الثبات ويمكن أن يؤدي إلى التصرف بشكل غير مدروس أو غير مناسب لتأخذ طابع المراهقة التي لا يحكمها عمر او منصب او اعتبار .
١ . النزق السياسي :
تمثل الدول مسرحاً لعروض متعددة ، حيث يتلاقى السياسيون والمواطنون في رقصة معقّدة ما بين السلطة ومحاولات السيطرة والتسلط . عندما تنغلق بوابة الحوار والمنطق ، تتصاعد أصوات التنافس السياسي ، تندلع أحياناً عواصف النزق والتهور ، تجتاح الدول والنفوس بلا رحمة . تنساب الصراعات كجريان الدم في عروق الأمة ، تترك أثراً عميقاً من الدمار والخراب يمتد على مدى الزمن يصعب ترميمه . وكما يُقال ، يتموج النزق السياسي كالمد والجزر ، متأرجحاً بين فترات الاستقرار وأخرى من الفوضى .
٢ . النزق النفسي :
في رحلة الفرد عبر طرقات الحياة ، يصادف مفترقات تضعه أمام تحدّيات نفسية غير مسبوقة . تنسكب عليه موجات القلق والضغط كحمم بركان متوهج ، يذوب الهدوء النفسي تحت ألسنة نيران الانفلات وتطاير الالباب من غلاف العِقال . يتلوح ظل الاكتئاب في أفق الوجدان ، ليرافقه صدى الشكوك والتردد ، يعكس الفراغ النفسي صورة الضياع والتشتت لتنعكس جميعاً على تصرفات الفرد اتجاه نفسه اولاً ، وتنفجر لتطال من حوله ثانياً بلا مبرر مصادراً بذلك حقوق الاخر تحت رداء التذاكي والفهلوة .
٣ .النزق الاجتماعي :
تعتري المجتمعات أحياناً أوهام الفرقة والتفرقة ، تتشظّى العلاقات الاجتماعية كالزجاج المتهشم ، تنكسر الروابط وتتشظّى الأواصر . يتحوّل الحضن الاجتماعي إلى ساحة معركة ، تتوسّد الفتن والانقسامات مقعدها ، ويعتلي اشرارها منابرها ، وتُنشر بذور الكراهية والعداء بين صفوف الأشقاء .
في زمن النزق ، يحتاج الفرد والدولة بكل اركانها إلى أن يكونا كالمركب في عاصفة هوجاء ، يعتمدان على قواعد الصمود والتصدي للأمواج . يتطلب التغلب على النزق تضافر الجهود وتلازم رص الصفوف ، فالتوحّد والتضامن هما مفتاح الخروج من هذه الحالة ، سواء على المستوى السياسي ، النفسي أو الاجتماعي . فلنتعلم من تجارب السابقين ولنواجه النزق ببسالة وإصرار ، لنبني بذلك جسوراً من الأمل تعبر بنا نحو شواطئ الاستقرار والسلام .
في نهاية رحلتنا عبر عوالم النزق ، نجد أنفسنا مواجهين لتحديات هائلة تتخطى حدود الزمان والمكان . فالنزق ليس مجرد زخم سياسي أو انكسار نفسي او حنق فردي فحسب ، بل هو صورة مكونة من أوجه متعددة من التجاذبات النفسية من الضروف والعوامل .
لتصبح الحالة بحاجة إلى تكاتف أكبر ، وفهم أعمق ، وتسامح أوسع ، حينها نستطيع مواجهة هذه التحديات نحو المحافظة على سلامة الفرد والمجتمع والدولة .
لنتذكر دائمًا أننا سواء أكنا دول أم أفراد ، قادرون على تحويل النزق إلى فرصة لمراجعة الذات ، فرصة للتلاحم ، لنترك بصمة إيجابية تضيء درب الأجيال القادمة .
وتبقى شعلة العقلنة متوهجة مضيئة دروبنا نحو حياة تخلو من النزق .... ! ! !
هكذا تدار العلاقات والاوطان.