بعد نظر ملكي .. وقصر نظر حكومي ..
د. سمير حمدان
02-04-2011 04:24 PM
نأمل أن يكون ما لحق ببلدنا من ضرر في الأيام الماضية ، نافعاً لنا في قادم الأيام. ويجب علينا جميعاً أن نتعلم من عثراتنا وأن نضع نصب أعيننا مستقبل الوطن وأجياله القادمة , وأن نكون على مستوى المسؤولية التي حملها سيد البلاد ويحاول جهده في إشراكنا فيها. فالوقت لا يسمح بمزيد من التلكؤ والتأجيل والتسويف والإكثار من سينات المستقبل . فالعالم من حولنا يموج كمرجل بعد أن سيطر رأس المال والأنانية على مفاصل حركته. وتتحرك قواه الفاعلة وفق مصالحها وتسن من القوانين ما يبقي على سيادتها ، وجزء من هذه السيادة نشر الفوضى في محيطها . ولم يكن لهذه السياسة من فرص للنجاح لولا تحركها على أرض خصبة زرعناها نحن بأيدنا حكاماً ومحكومين . وها نحن وصلنا عنق الزجاجة وانفلت المارد المقهور . ووصلنا مع سبق الإصرار لأن يخرج الفقير شاهراً سيفه بعد أن لم يسعفه الصبر والدعاء . وأصبحت البلدان العربية أشبه بمسبحة انفرط خيطها الرفيع وتناثرت حباتها على غير هدى. بدأنا في تونس التي أصبحت الصلاة في مساجدها تحتاج لإذن مسبق من الرئيس أو زوجته أو أصهاره. و الجوع والذل وزع بالمجان على بقية الشعب ، وسمحوا له بالدخول لكل البيوت دون الحاجة لتصريح. وفي مصر ، تفرغت الدولة وعلى مدار أكثر من ثلاثين عام لبناء الأجهزة الأمنية لحماية حكامها ومحاربة الأفكار في رؤوس الناس وأخذهم بالشبهات . باعت الغاز للعدو بسعر بخس بموجب اتفاقيات مذلة ومهينة، وتركت الشعب الكادح يسيح في بلدان العالم بحثاً عن رغيف خبز وخشب للتدفئة. وها قد جاء دور ليبيا الثورة الخضراء ، بلد النفط الذي لو استثمر في الحلال لجعل من الشعب الليبي أغنى شعب في العالم ، ولأسهم كذلك في إقامة أود الأشقاء في مصر وتونس وموريتانيا وفلسطين والأردن وسوريا واليمن. ولكن شاء القدر ان يسيطر عليه حاكم وليس بحاكم وقائد ليس بقائد ، فبدده ذات اليمين وذات الشمال حتى وصل به الأمر لدفع الأموال للحملات الانتخابية لساركوزي وبرلسكوني ، وهما الأن الأكثر حماساً للانتهاء من عهده. وها هي اليمن وسوريا والبحرين ولا ندري من سيكون على القائمة .
في هذا المناخ المتأزم وقبله بسنوات، كان لدى جلالة الملك تحديداً وحصراً وضوح في الرؤيا، ضمنت في خطب وكلمات العرش وكتب تكليف الحكومات منذ أكثر من عقد من السنوات . وكانت مفاصل الحركة المطلوبة واضحة وضوح الشمس وأهمها :
1. التأكيد على الوحدة الوطنية ، سلاحنا الأكثر مضاءً في مقاومة كل الضغوط التي نتعرض لها .
2. النهوض بالاقتصاد وتوفير العيش الكريم .
3. النهوض بالتعليم الأساسي والعالي والحفاظ على تميز المخرج الأردني .
4. أشاعة اليمقراطية في كل مناحي الحياة وتوفير المناخ الملائم لعمل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني .
5. بعث الحياة في إدارات الدولة وصولاً إلى تقديم أفضل الخدمات للمواطنين .
6. اللحاق بركب التكنولوجيا .
7. إشاعة أجواء التسامح والانفتاح على العالم والتمسك بقيم العدالة وحقوق الانسان
8. أنتاج إعلام دولة قادر على مواجهة الأحداث والتأثير فيها .
وبعد مضي هذه السنوات ورغم تحقق عدد من الانجازات ، ها نحن نتواجه في الشارع بعد أن لم تعد المنابر المتاحة كافية للتعبير عن سخط الناس . بل أصبح بعضها عبئاً على الشعب ، حيث أننا قد نكون الشعب الوحيد الذي يناشد قائدة حل مجلس الشعب (النواب ) المنتخب .
وأمام هذه المشكلات لم ترتق الحكومات الأردنية المتعاقبة في الاستجابة للحد الأدنى من طموحات الملك وحاجات الشعب . ومارست كل ما مارست ملتحفة عباءة الملك وهي تروج ليل نهار أنها تسهر على ترجمة التوجيهات الملكية . وللأسف كانت الترجمة مغايرة للنص ومحرفة لمضمونه ، حتى ضاق بها الملك ذرعاً وقال كلمته الفصل كفى ، لا يوجد أوامر من فوق . وعلى الكل تحمل مسؤولياته ، فإن كان على قدر المسؤولية فأهلاً وسهلاً ، وإلا فليفسح الطريق لغيرة . فماذا كانت النتيجة ؟؟؟؟
لم نسمع طوال السنوات الماضية بوزير أو محافظ أورئيس بلدية يستقيل لأنه لم ينجح في تنفيذ خطته. وعلى صعيد مؤسسات المجتمع المدني التي هي على شاكلة الحكومات، لم نسمع باستقالات من الروابط والأندية والنقابات والاتحادات . حتى بلغ الأمر في نقابات يتولاها نفس الشخص لأكثر من عشرين عاماً. وبعضهم استفاد من حقبة التوريث. أما في الأحزاب السياسية ، فالأمناء العامون أكثر الناس أمناَ على مواقعهم الشرفية .
إذاً نحن أمام ثقافة مأزومة ،ولا زلنا نرفض مواجهة الواقع ونصر على أننا غير شكل وأن الأقليم المشتعل يرش علينا الماء كما كما كانت نار الكفر برداً وسلاماً على إبراهيم . وأيصاً كما هو الحال مع صواريخ الناتو في ليبيا ، حيث يراها الإعلام الليبي المريض لعب اطفال نارية ،لدرجة انه يخجل حتى اللحظة من تقديم صور ميدانية لأثار القصف والخراب والدمار الناتج عنها .
ما جرى في بلدنا من أحداث مؤشر على انسداد الأفق. أملنا خيراً في الحكومة الحالية ، على أساس ان رئيسها صاحب خبرة وتجربة . وأن فريقها يضم نخبة من رجالات الأردن المعروفين بانحيازهم للحرية والديمقراطية والإصلاح ونظافة اليد واللسان . ولكن الممارسة العملية لا تبشر بقدرتها على تجاوز صعوبات المرحلة. وقد يكون من سؤ طالعها ما يحيط بنا من مشكلات خارجية وداخلية . قد لا نستطيع توجيه حركة الأحداث في العالم ولكننا نستطيع على الأقل قيادة سفينتنا بالسرعة الأمنة . ومن الأمثلة على ذلك إضراب المعلمين المطالبين في نقابة تجمع شملهم وتصون حقوقهم وتطور مهنتهم . تعاقب على الوزارة وزيران . الأول زاد الطين بلة وفتح النار على المعلمين التي سرعان ما اكتوى بها وامتد شررها ليطال الحكومة بأكملها . والثاني تأخر في اتخاذ القرار ، مكبلاً نفسه بما صدر عن المجلس العالي لتفسير الدستور . ورَحلت المشكلة للحكومة الحالية التي أجبرت أمام ضغط المعلمين على إعادة الكرة لمجلس التفسير ، والذي بدوره تراجع عن فتواه ، وكأن شيئاً لم يكن ولا نعرف من الذي أخطأ ولكننا نعرف من أصاب . والأمثلة كثيرة .
ولكن أكثرها إيلاماً ما وقع على دوار الداخلية أو جمال عبد الناصر . قد يكون حماس الشباب أكثر مما يحتمله الشيوخ ، وقد تكون بعض الشعارات في غير محلها . وقد يكون الموقع ذو حساسية معينة ، وقد تكون الفئات المشاركة ذات أجندات مختلفة . ولكن يجمعها جميعاً الأردن والمطالبة بإصلاحات وسلمية التحرك . حيث لم يكن من الحكمة مواجهتها بالطريقة نفسها التي تكررت في أحداث مباراة ناديي الوحدات والفيصلي ومظاهرة وسط البلد . شكلت لجان للتعرف على الجاني الذي بقي مجهولاً حتى اللحظة لمن شكل اللجان ولكنه معروف لعامة الناس . ومن حمد الله ونعمة توفر التكنولوجيا الحديثة التي تصور الصورة وتسجل الصوت ، وبالتالي يصدق المثل القائل " المية بتكذب الغطاس" .
يبدو أن الحكومة لم تقدر عقابيل أسلوبها في حل المشكلة والتي من اهم انعكاستها فرط عقد لجنة الحوار الوطني فبل أن تبدأ عملها .
انتظر جلالة الملك وهو يراقب الأحداث بصبر وأناة . انتظر فعل الحكومة التي أولاها الثقة . ولكنها للأسف لم تشذ عن سياسة ما سبقها من حكومات وحاولت تبرئة الذمة بتوزيع المسؤولية هنا وهناك وهربت من تحمل المسؤؤولية ...فماذا كانت النتيجة ؟؟؟
مزيد من الاحتقان والدعوة لمسيرات ثأرية وتهديد ووعيد حتى وصل لمجلس الشعب. حيث لبس بعضهم الفوتيك استعداداً للمعركة وصب الزيت على النار . وتنادى إعلاميوا الإذاعات الصباحية، مدافعين بالصوت العالي عن فريق ضد فريق . ولا يشبههم في هذه العاية الإعلامية سوى الدكتور يوسف شاكير في إذاعة الجماهيرية ‘ حيث يعلن يومياَ عن عشرات المظاهرات في العالم تأيداَ للقائد . ووصل به الأمر التبشير بطلاق الشيخة موزة من الشيخ حمد وطلاق بركة أوباما من أم عيالة .
أمام هذا الوضع الذي وضع البلاد والعباد على كف عفريت ،جاءت سماحة الملك وسعة صدره وثاقب بصيرته . لم شمل لجنة الحوار الوطني في بيت الأردنيين الكبير بعد انفراط عقدها ، وعبر عن استيائه مما جرى ، وطالب الجميع بالترفع عن الصغائر وتحكيم منطق العقل، واللجوء للحوار والإسراع في بحث كل ما هو مختلف عليه والوصول إلى توافق يلبي طموحات الأردنيين .
فهل تستفيد الحكومة من بعد نظر الملك في معالجة قصر نظرها قبل أن ترحل ؟؟
سؤال برسم دولة الرئيس معروف البخيت ، حيث اننا الشعب الوحيد في المنطقة والعالم من نسمي رئيس الوزراء بالدولة ....وهل كل من تمتع باللقب يستحقة حتى الممات كمكتسب غير قابل للمساءلة ، أم نحن بحاجة لمراجعة اللقب ونزعه عن من لا يستحقة ؟؟؟؟. أرجو من كل قلبي لدولة الرئيس النجاح في مهمته التاريخية ، وأظنه قادر إذا التقط ومن معه بجدية إشارات الملك المبثوثة في فضاء الوطن الفسيح.