تركيا .. البلديات والزلزال السياسي: تحول السلطة في انتخابات 2024
د. نعيم الملكاوي
03-04-2024 10:47 PM
الانتخابات البلدية والمجالس المحلية في تركيا لعام 2024 شهدت تحولاً ملحوظاً في الخريطة السياسية للداخل التركي ، حيث حقق حزب الشعب الجمهوري (CHP) ، المعارض الرئيسي ، انتصارات مذهلة ، معلناً عن بداية عهد جديد في السياسة التركية. وفي مشهد سياسي متحول ، شهد حزب العدالة والتنمية (AKP) تراجعاً ملحوظاً حيث كان نصيبه في عام 2019 يقدر بـ 39 بلدية بينما انخفض إلى 24 بلدية في انتخابات 2024 ، بحيث يعتبر فقداً واضحاً لموطئ قدمه البلدي . من ناحية أخرى ، تألق حزب الشعب الجمهوري (CHP) بزيادة مثيرة من 21 بلدية إلى 35 بلدية ، مستحوذاً على 10 بلديات كانت ذات يوم تحت راية الحزب الحاكم .
بعد ان تم اعتماد النتائج النهائية من قبل الهيئة العليا للانتخابات نرى ان هذه الخسارة اتت نتيجة لعدة عوامل تتضمن ما يلي :
-الأزمة الاقتصادية : التضخم المرتفع والبطالة ، جنباً إلى جنب مع ارتفاع تكلفة المعيشة ، أثرت سلباً على شعبية الحزب .
-التحديات السياسية : شعر الناخبون بالإحباط من الطريقة التي تعامل بها الحزب مع قضايا مثل حرية التعبير والديمقراطية ، مما أدى إلى زيادة الدعم للأحزاب المعارضة وامتناع البعض عن الذهاب الى صناديق الاقتراع .
- الرغبة في التغيير : رغبة الناخبين في التنوع السياسي والبحث عن بدائل للحكم الطويل لحزب AKP .
- أداء المعارضة : تمكنت الأحزاب المعارضة من توحيد صفوفها وتقديم بديل جذاب للناخبين خاصة في المدن الكبرى .
-التحالفات السياسية : تحالفات AKP السياسية ربما لم تجلب الدعم المتوقع ، بينما استفادت المعارضة من التحالفات الاستراتيجية مع بعض الاحزاب الصغيرة .
ولا يخفى على المطلعين ان القوى الخارجية قد تؤثر على مزاج وتوجه الناخبين في تركيا من خلال عدة جوانب ، بما في ذلك مواقف تركيا اتجاه القضية الفلسطينية ، والأحداث الامنية مثل كشف المخابرات التركية عن خلية للموساد تعمل داخل تركيا واعتقال اعضاءها . هذه الأحداث يمكن أن تؤثر على الرأي العام وتغير تصورات الناخبين تجاه الحزب الحاكم والسياسة الخارجية بشكل عام . مع ان كشف الخلايا الاستخباراتية والكشف عن أنشطة الموساد قد يعزز صورة الحكومة في مكافحة التجسس وحماية السيادة الوطنية ، لكنه أيضاً قد يؤدي إلى توترات دبلوماسية قد تؤثر سلباً على صورة الحزب الحاكم في ذهنية الناخب متأثراً بالحملات الاعلامية التي تقوم بها دول وجهات سياسية دولية فاعلة على رأسها حزب العمال الكردستاني( PKK ) .
هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تراجع الدعم لحزب العدالة والتنمية وساعدت في تحقيق المعارضة انتصارات كبيرة في الانتخابات لتعكس صورة غير مألوفة على الساحة السياسية الداخلية التركية يمكن ايجازها بما يلي :
- النتائج والتحولات : في تطور غير مسبوق ، تمكن حزب الشعب الجمهوري (CHP) من الاحتفاظ بجميع بلدياته الكبرى تقريباً وفاز بثلاث بلديات كبرى إضافية وبمجمل 14 بلدية عن الانتخابات السابقة ، بما في ذلك انتصارات كبيرة في مدن رئيسية مثل إسطنبول وأنقرة. هذا الفوز يعكس تراجع نفوذ حزب العدالة والتنمية (AKP) ، ويشير إلى رغبة الناخبين في التغيير والتعبير عن استيائهم من الإدارة الحالية .
-أسباب الخسارة : الأزمة الاقتصادية المستمرة وارتفاع معدلات التضخم لعبت دوراً كبيراً في تراجع شعبية ( AKP ) ، والناخبون متأثرون بالتحديات الاقتصادية والحاجة إلى الإصلاحات ، صوتوا لصالح الأحزاب المعارضة بحثاً عن بديل يمكنه توجيه البلاد نحو مستقبل أفضل . وهناك سبب خفي يعود الى هيكلية الحزب من الداخل حيث ذهب الحزب في الااونة الاخيرة بجملة من التغييرات في صفوف قيادات الصف الاول مستعيناً بالبدائل من الصف الثاني الذين لا يملكون اطلالة قوية على القواعد الشعبية التقليدية .
-الانعكاسات والآفاق : هذه النتائج قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي التركي ، مع تعزيز مكانة المعارضة وإحداث تغييرات محتملة في السياسات الداخلية والخارجية لتركيا . اما على الصعيد الدولي قد تتأثر العلاقات الإقليمية والدولية لتركيا ، مما يتطلب مراقبة مستمرة لتطور الأحداث .
إن انتخابات 2024 تمثل نقطة تحول في تركيا ، تعكس رغبة الناخبين في التجديد والتغيير . هذه النتائج تفتح الباب لفترة جديدة من التحليل السياسي والدبلوماسي ، مع توقعات بتأثيرات مهمة على السياسة التركية في السنوات القادمة .
فالناخب يقيم الأداء العام للحزب الحاكم وليس فقط استجابته لقضايا محددة . الخسارة في الانتخابات يمكن أن تكون نتيجة لعوامل متعددة، بما في ذلك الأداء الاقتصادي ، السياسات الداخلية ، والرضا العام عن الحكم واداء الحزب الحاكم بشكل عام .