مدرسة العالوك .. وحامد السلمي
د. محمد عبدالكريم الزيود
03-04-2024 07:51 PM
جمعتني قبل أيام بمجموعة من مدراء التربية والتعليم ، وهم من الخيرة المؤهلين علما وخلقا ، وأكثر من ذلك يجمعهم أنهم من خريجي مدرسة العالوك ، إحدى أقدم مدارس المملكة ، والتي تأسست عام ١٩٥٢ .
حتى في تأسيس المدرسة هنا بين تلال البلوط والزيتون له قصة معروفة ، حيث أقيم بعد إستقلال المملكة عام ١٩٤٨ مخفرا للشرطة في العالوك ، وعلى مدار أكثر من سنتين لم يسجل في المخفر مشكلة أو شكوى واحدة تستدعي تدخل أفراده ، بل كان الأهالي يحلون مشاكلهم فيما بينهم ، يتشاجرون في النهار على أماكن الرعي والزرع ، وفي المساء يجلسون على فنجان قهوة في بيت أحدهم فيتم الصفح والمحبة ، لذا لم يكن للمخفر دورا أمنيا بين الناس ، وبقوا ضيوفا مكرمين معززين ، لذا تنادى الأهل هنا من أبناء بني حسن من عشائر العموش والشديفات والزيود وكتبوا مضبطة لمدير ناحية جرش آنذاك حيث كانت العالوك تتبع إداريا له ، بأن يحوّل المخفر الذي كان مبناه مستأجرا من المرحوم خليل الساري الحسبان إلى مدرسة ليتم تدريس أبنائهم ، والذين كانوا يتدارسون في الكتاتيب أو في صحن المسجد أو تحت ظل شجر البلوط بالقرب من عين ماء القرية، وكان التأسيس لمدرسة العالوك في بداية الخميسنات من القرن الماضي لتكون شاهدا على وعي أبنائها ، بأن التعليم بديلا للأمن .
ربما مرّ مدراء ومعلمين كثر على مدرسة العالوك ولكن كان أبرزهم المرحوم الأستاذ حامد سلمي الطحيمر الزيود ، الذي تخرج من كلية الشوبك عام ١٩٧٥ ويحمل درجة الدبلوم في تخصص الزراعة، وعمل معلما فيها خلال الفترة من ١٩٧٦ وحتى عام ١٩٨٢ ، ثم مديرا لها ، وعرف رحمه الله بشخصيته الفريدة والقاسية والثقافة العالية، وكان مجرد ذكر اسمه يهابه الكبار قبل الصغار ، معلما في الصباح ومزارعا وراعيا وقت العصر ، وإماما وخطيبا في المسجد وقت المساء ، هذا الدور التنويري الذي لعبه الأستاذ حامد السلمي أسس به أجيالا من الطلبة ، شهد الجميع بتميزهم ، وربما ما نشاهدهم اليوم أن خمسة منهم مدراء تربية في المحافظات والألوية الأردنية ، وعشرات مدراء المدارس والمعلمين والضباط والأطباء والمحامين والإعلاميين وحملة الدكتوراة والموظفين الحكوميين المميزين في كافة مجالات الحياة المدنية .
لعب موقع قرية العالوك وجارتها المسرة موقعا مميزا متوسطا ما بين الزرقاء وجرش وعمان ، والتي كانت فيما قبل موقعا سكنه الرومان والمسيحيين واستوطنوا فيها ، لخصب أراضيها ، لذا سمح لكل ابنائها أن يكونوا قريبين من مراكز الحضارة والإنتاج ، وأشعل فيهم روح التنافس والتميز والتعلم مبكرا .
ويأتي اسم شاعر الوطن حبيب الزيودي كأهم أحد خريجي مدرسة العالوك ، الذي صاغ اسمها أيقونة تغنى بها وحملها بأشعاره نحو العالمية ، وهناك أيضا معالي صالح القلاب ( وزير إعلام وثقافة وعين سابقا) ومعالي د. إبراهيم العموش ( وزير عدل ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والشؤون القانونية سابقا) واللواء د. محمد الحسبان ( طبيب وجراح ) واللواء عبدالله الحسبان ( ضابط مخابرات ومحافظ في وزارة الداخلية سابقا) ، اللواء عبدالله شديفات ( نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة سابقا ) وغيرهم المئات بل الآف الذين تخرجوا منها ، وساهموا في بناء بلدنا الأردن .
حريّ بالجيل الحالي أن يستذكر تاريخ مدرسة العالوك وكذلك أن يستذكر تاريخ بلادنا ، ويزجي التحايا لهؤلاء المؤسسين من أهلنا الذين لم يمنعهم فقرهم وقلة حيلتهم أن يبنوا ويزرعوا وعيا مبكرا كان قوامه التعليم والتقوى ومخافة الله .