قررت الذهاب أمس إلى موقع الاعتصامات عند مسجد الكالوتي لرؤية ما يحدث على أرض الواقع ، والحقيقة أن المشاهدات كانت تدعو للارتياح بل للمفخرة إزاء تعامل رجال وضباط الأمن مع المواطنين ، وشاهدت مواقف إنسانية تشير إلى أن أجهزة الأمن لدينا نشأت على عقيدة احترام الناس وحمايتهم ، ضابط كبير يتعرض لمحاولة احتكاك من قبل بعض الشباب والشابات ولم يحرك ساكنا بل كان مبتسما ويحاول امتصاص هؤلاء بشعور أبوي واضح ، وضابط آخر كانت إمراة تصرخ بوجهه بحدة تريد إدخال أطفالها لقلب ساحة الاعتصام وهو يرجوها أن تتراجع عن هذا الفعل حماية لأطفالها ويقابل صراخها بقوله أنت وكل الموجودين على رأسي ، وواجبي حمايتكم جميعا ، أحد المعتصمين سمعه شرطي يبحث عن ماء فما كان منه إلا أن أسرع وأحضر له كوب ماء وسأله إذا ما كان بحاجة لشيء آخر .
كان تعامل رجال الأمن أمس وكل الأيام وخلال كل الاعتصامات والمسيرات غاية في الرقي في جو مشحون يحاول أن يعبث به مجموعات لا يهمها غزة وما يجري ولا يهمها الحفاظ على الأمن الوطني، هم فقط جاؤوا ليخربوا ، وحتى نكون منصفين فإن المجموع العام غير المرتبط بغايات محددة من المعتصمين يتصرفون بوطنية عالية ، وجاؤوا فقط ليعبروا عن أنفسهم تجاه جريمة إسرائيلية مفتوحة في غزة والضفة الغربية منذ أكثر من ستة أشهر .
من حق الشعب الأردني أن يغضب ، ومن حقه أن يعبر عن هذا الغضب بكل الوسائل التي كفلها الدستور والقانون ، لكن ليس من حق أحد أن ينفذ من خلال هذا الغضب النبيل وينال من أمننا واستقرارنا ، وعلى ذكر الأمن والاستقرار بعض المرضى في نفوسهم يتذمرون من ترداد هذا المفهوم مدعين زورا أنها باتت اسطوانة مشروخة ممجوجة ، وفي هذا وصل هؤلاء لحد الكفر الوطني بعمى بصيرتهم
ولو أنهم فقدوا هذه النعمة ولو لمرة واحدة لما نزلوا إلى هذا الدرك الأسفل في التفكير والتعبير ، ولو تأملوا للحظة واحدة ما حصل بالشعوب من حولنا لما قالوا ذلك ، إن أمننا واستقرارنا هما نعمة كبرى من الله عز وجل خصنا بها في منطقة متوترة وإقليم ملتهب ، وجرت هذه النعمة على يد دولة متسامحة لم تؤمن يوما بالدم طريقا للتعامل مع شعبها ، وأجهزة أمن يفدون ناسهم ووطنهم بأرواحهم ، ودونكم التاريخ القريب والبعيد والحاضر لتروا كيف تمكن بعون الله تعالى رجال أمننا وفرسانه وجيشه من حفظ الأردن من عديد الصواعق التي كادت تضربه من جهات كثيرة .
نحن لم نتعود التطاول على رجال الأمن ، والواحد منا يشعر بالأمان والاحترام عندما يقع نظره على رجل أمن ، لأن هذا الإنسان موجود لحمايتنا لذلك وجب احترامه .
الأردن مستهدف تاريخيا من إسرائيل أولا ، التي تفرح عندما تراه لا قدر الله تعالى فقد استقراره ، لأنها تجد في هذا الواقع طريقا لتنفيذ مشروعها الأسود في الأردن وكل المنطقة ، ثم هو مستهدف من قوى متعددة والمعركة التي تدور على حدودنا الشمالية الشرقية مؤشر كبير على ذلك ، ناهيك عن استهدافه دائما لمواقفه العنيدة اتجاه القضية الفلسطينية ، ولا يجوز لأحد منا أن يكون عونا لهؤلاء سواء بعلمه أو دون علمه ، وأهمية أمن الأردن ليست للأردنيين فقط بل لكل دول المنطقة ، والعرب يدركون ذلك جيدا وهذا ما لاحظناه خلال الأيام الماضية من مواقف الدول العربية التي طالبت الجميع بالحفاظ على أمن هذا البلد واستعدادها لتكون معه في وجه أي خطر يواجه أمنه .
الذي يغيظ في قصة الإساءة للأردن إنه لا أحد وصل إلى سقف دعمه ومساندته للأشقاء في فلسطين على كل المستويات ، خصوصا منذ السابع من أكتوبر المشهود ، ولا أريد أن أخوض مرة أخرى في تفاصيل هذا الموقف لأنه بات واضحا لدى الجميع في الداخل والخارج ليأتي اليوم من يشكك بهذا الموقف من أجل أجندات ومواقف ليست بريئة .
وأعيد السؤال الذي طرحته أكثر من مرة ، لماذا الإصرار على الطلب من الأردن أكثر من غيره ، ويراد تحميله مسؤولية أكبر من المسؤوليات المطلوبة من الآخرين .
بعض الهتافات والشعارات التي نسمعها هذه الفترة لم نسمعها في أي بلد عربي أو إسلامي من قبل البعض ، ربما يكون العشم بالأردن
أكثر من غيره لكن عندما يتعدى هذا العشم ويخرج عن المعقول يتهم أصحابه بمحاولة توريط الأردن ، نتمنى أن لا ينقسم المجتمع الأردني إلى فريقين متقابلين ، ويبقى الأردنيون كما هم دائما صفا واحدا وأيدي متماسكة لحماية وطنهم ليستمروا أقوياء في الدفاع عن فلسطين وكل الأمة .