أُكلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيضْ
د. ايهاب عمرو
01-04-2024 02:27 PM
لعل تلك المقولة، أو الحكاية الشعبية العربية الشهيرة، التي قيلت يوماً ما تُعَبِّر عن المأزق السياسي الحالي الذي تعيشه الجهة المسيطرة، أو التي كانت مسيطرة، على قطاع غزة المكلوم خلال الأعوام الماضية. ومعنى تلك المقولة، الشعور بالندم على ما فات نتيجة الإفراط والتفريط والتهاون وعدم حساب الأمور بشكل مدروس، ما يؤدي إلى أن يبدأ الأمر بالقضاء على غيرك، وينتهي بالقضاء عليك. وإسقاط تلك المقولة على المأزق السياسي والميداني الحالي يحتاج لبيان أورده فيما يلي.
كلنا، أو جُلّنا، إما عايش أو سمع أو شاهد تفاصيل ذلك الانقلاب المشؤوم الذي أدى إلى تصفية أو طرد عناصر السلطة الوطنية الفلسطينية من قطاع غزة، واستلام زمام الأمور من قِبَلْ من سيطر على قطاع غزة بحكم الأمر الواقع منذ منتصف العام 2007 ولغاية السابع من أكتوبر 2023.
وأتذكر، من جملة ما أتذكر، أنني كنت وقتذاك مقيما في اليونان أعكف على دراسة الدكتوراه في القانون، وقلت جملة على مسامع بعض الطلاب الفلسطينيين والعرب، الذين لم يكن الواحد فيهم يرى أبعد من أرنبة أنفه، مع الاحترام، أن من نفذ ذلك الانقلاب المشؤوم سوف يندم على فعلته يوماً ما، وسوف ينطبق عليه القول العربي المأثور "أُكِلتُ يومَ أُكلَ الثورُ الأبيض".
وتشي الأحداث التي تبعت السابع من أكتوبر المنصرم بأن ما قلته كان صحيحاً، وأن التاريخ يكرر نفسه. ذلك أن قيام من سيطر على قطاع غزة بحكم الأمر الواقع خلال الفترة الماضية بالقضاء على وجود السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة جعل من قطاع غزة، وجعلها هي نفسها، فريسة بيد الطامعين، وهم كُثُر، من خصوم الشعب الفلسطيني، ومن بعض القوى الإقليمية المؤثرة التي كانت، ولا تزال، تهدف إلى حماية مصالحها ابتداء وبقاء. إضافة إلى أن القضاء على وجود السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، سليل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، نزع الغطاء السياسي الإقليمي والدولي عن تلك الجهة ما أدى إلى استفراد خصوم الشعب الفلسطيني بأبناء وبنات شعبنا في القطاع المكلوم خلال السنوات الماضية. ناهيك عن أن استفراد تلك الجهة بالقرار الفلسطيني في قطاع غزة أدى إلى ارتهان ذلك القرار بما تمليه مصالح قوى إقليمية معينة متحالفة معها، إذ ما معنى قيام ستة حروب خلال خمس عشرة سنة دون تحقيق إنجاز سياسي ووطني مذكور، مع ما تمخض عن ذلك من ويلات وكوارث طالت القطاعات كافة في قطاع غزة الحبيب، ما يشمل الصحية، والتعليمية، والبشرية بشكل رئيس.
إن الواقع السياسي والميداني الحالي في قطاع غزة يملي عدم المكابرة والعبث بمصالح الشعب الفلسطيني ومقدراته ومشروعه الوطني الذي أصبح على المحك. وذلك يستدعي قيام الجهة المسيطرة، أو التي كانت مسيطرة على قطاع غزة حتى وقت قريب، بميزان الأمور بشكل مغاير لما كان عليه الأمر في السابق، حماية لصغار وكبار، وشبّان وشابات، شعبنا الفلسطيني في القطاع الحبيب. ولعل الفرصة قد تكون مواتية الآن أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الانقسام البغيض، وتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من استلام زمام الأمور في قطاع غزة، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وشرقي القدس، ما قد يُشَكّل لَبِنَة أساسية في بناء الدولة الفلسطينية المنشودة وعاصمتها القدس الشريف.
ولعل تشكيل حكومة التكنوقراط "الكفاءات" الفلسطينية الجديدة التي تشتمل على عدد كبير من أبناء وبنات قطاع غزة الحبيب، يشير إلى عزم واستعداد القيادة الفلسطينية على تولي زمام المبادرة بعد انتهاء تلك الحرب الشرسة ضد مقدرات شعبنا الفلسطيني، وضد الجغرافيا والديمغرافيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالعموم. وذلك يستدعي تعاطي الجهات السياسية الفاعلة كافة، خاصة من كان يسيطر على قطاع غزة، بإيجابية مع تلك الحكومة وتمكينها من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقها وفقاً لبرنامج الإصلاح الوطني الذي يُشكِّل الدعامة الرئيسة في عمل تلك الحكومة.