خطان متوازيان لا يلتقيان لكن مؤشر اتجاههما نحو هدف واحد يستهدف فكرة ومفهوم الدولة في الأردن.
غير المقلق في الموضوع أن كلا المتوازيين حضوره باهت في الحقيقة وعلى الأرض، رغم كل الصوت المرتفع والضجيج العالي، لكن تبقى كلفة استمرار حضورهما عالية على المدى البعيد.
كلاهما متفق "بدون توافق عضوي" على رفض فكرة الدولة المدنية القوية ذات المؤسسات وحكم القانون والدستور في الأردن.
الأول، هو التيار الإسلامي الذي يقوم دوما بتغليب أيدولوجيته الدينية والتي يحاول ترسيخها كحالة "مقدسة" لا يمكن المساس بها ويعلو بها على فكرة الدولة – أي دولة- ومواطنيها، ورغم تلك المرجعية الدينية لديه إلا أن هذا التيار كان دوما الأمهر في البراغماتية السياسية والانعطافات المدروسة والدوران حين اللزوم للنجاة. وهو تيار منظم جدا بحكم الخبرة التاريخية في العمل الطويل وعابر للقارات وملتزم "رغم اتقانه لغة التكنولوجيا العصرية" بمعالم الطريق التي رسمها عرابه التاريخي سيد قطب في النصف الأول من القرن الماضي.
هذا التيار يمارس السياسة بتنظيماته المختلفة تحت مظلة مرجعية واحدة، ومتمكن – بحكم ذات خبرة العمل السري- من تشكيل ميليشياته المقاتلة التي تطورت إلى أذرع عسكرية منظمة "ومقلقة".
وجد هذا التيار فرصته التاريخية لأول مرة عام 2009 مع استراتيجية إدارة أوباما الكارثية التي حاولت "شرعنة" حضور التيار الإسلامي وخروجه من "دائرة الحصار" إلى فضاءات العلن كشريك سياسي كامل الأهلية في انتخابات دول لا يؤمن التيار أساسا بمفهوم الدولة المدنية فيها.
اليوم، هناك قرار دولي متفق عليه بمحاصرة هذا التيار وتحجيمه والقضاء على أذرعه العسكرية.
المتوازي الثاني، الذي يسير بنفس الاتجاه معاديا "بطبيعته" لدولة القانون والمؤسسات والعدالة، وبطبيعته أيضا لا يمكن أن يلتقي مع المتوازي "الإسلامي" هو تيار الوطنية المتعصبة "الشوفينية" بأضيق حدودها كحالة حماية للمكتسبات، وهي مكتسبات لا يمكن تحقيقها أو جنيها بالقوانين العادلة والمنصفة، ولا بفكرة المواطنة المتساوية.
هذا التيار يرى في الدولة حاضن رعاية، لا حالة تنظيمية عليا وسامية للمجتمع، ومع تخلي الدولة "بالضرورة الحتمية" في الأردن من دورها الريعي فإن الخوف من خسارة المكتسبات القادمة من رحم "الريعية" ستجعل هذا التيار مقاوما حتى اللحظة الأخيرة لما هو ضرورة في عالم اليوم: دولة المؤسسات والقانون.
بين المتوازيين، هناك تيار موجود وحاضر وصوته يرتفع مع الفرص التي يمكن انتهازها ويخفت حد الصمت الكامن حين لا يرى الفرصة حاضرة هو تيار ورثة "الفصائل الفلسطينية" وهذا لا علاقة له بالأصول والمنابت العائلية بقدر ما هو بقايا إرث لا يرى للأردن استحقاقا أن يكون دولة، وتلك من مخلفات تراث منظمة التحرير الفلسطينية التي انتهت فعليا بسلطة بائسة متلاشية خسرت حتى "سجادة الاستقبال الحمراء" ومحشورة في مقاطعة صغيرة في مدينة رام الله.
حول المتوازيان وما بينهما من "إرث فصائلي بائس" هناك أغلبية كبيرة لا ضجيج لها ولا صوت، وفيها غضب وقهر ومعاناة عيش يومي وتطلعات وطموحات فردية وجماعية مختلفة ومتباينة، وهي من شتى الأصول والمنابت، تسعى لأن تكون حاضنتها دولة مؤسسات وقوانين، وهي متعددة الآراء والأطياف والمعتقدات في كل شيء، لكنها تؤمن أن الدولة للجميع من خلال المواطنة الحقيقية لتلك الدولة التي أنهت مئويتها الأولى محاصرة بمتوازيات انتهت وبقيت الدولة مستمرة.
الغد