د. حازم نسيبة في ذكراه الثانية
يوسف عبدالله محمود
31-03-2024 06:13 PM
والمرء ينشا على ما كان والده إن الجذور عليها تنبت الأشجار رجل ولا كل الرجال، تدرج في المناصب الرسمية حتى وصل أعلاها. قريباً جداً من جلالة الملك الحسين بن طلال –رحمه الله- كان.
د. حازم نسيبة –رحمه الله- بدأ حياته الوظيفية مساعداً لمدير الإذاعة الفلسطينية 1946، ومن ثم رئيساً للجنة الهدنة الأردنية 1945. وبعدها تدرج في المناصب من وزير للعلاقات الخارجية الى مندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة.
كان –رحمه الله- وفياً لعروبته وهو المنحدر من أسرة مقدسية عريقة. منظّراً لا يشق له غبار في القومية العربية.
في كتابه "ذكريات مقدسية" يستذكر مقولة ذات دلالة لصديقه د. بسام قاقيش، يقول فيها "إن الجيوش العربية في غالبيتها هي جيوش الطلقة الواحدة". فإذا اطلقت تلك الطلقة فلا سبيل الى تعويضها الا بفترات انتظار طويلة وفترات الانتظار غير ممكنة في الحروب الخاطفة. (د. حازم نسيبة "ذكريات مقدسية" ص 334)
جريئاً في قول الحق، لا يتملق او ينافق. في حوار له مع المرحوم جلالة الملك الحسين –طيب الله ثراه- وحين كان وزيراً في عهد رئيس الوزراء الراحل وصفي التل رحمه الله، اقترح على جلالته في اعقاب احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة ان يتبنى الأردن المقاومة بحيث يكون في موقع هانوي بالنسبة للفيتكونغ.
وهنا أجابه جلالته: "هانوي كانت تتلقى قطاراً محملاً بالأسلحة والذخائر كل أسبوع من الاتحاد السوفيتي ومثله من الصين، فمن هو الذي سيزودنا بالسلاح والذخيرة اذا قررنا المقاومة المنظمة" (ذكريات مقدسية ص 334)
رداً مُفحماً كان.
أتساءل بدوري: من سيزود الأردن بالسلاح اذا خرجت "الطلقة الواحدة"؟ من سيعوض هذه الطلقة وامريكا واقفة بالمرصاد تمد ربيبتها إسرائيل بالسلاح والذخيرة بغير حساب؟
وبصدق أقول لو ان الأردن ضمن جهة تزوده بالسلاح والذخيرة لما توانى عن استخدام القوة لاسترداد الضفة الغربية، فجيشه من أكفأ الجيوش العربية. العدو نفسه شهد بذلك.
قلت ان الراحل د. حازم نسيبة كان من ألمع المنظرين للقومية العربية عالج الفكر القومي بموضوعية.
أثرى المكتبة العربية بتراثه الفكري، اختلف في معالجته لهذا الفكر القومي عن هؤلاء الذين انضووا تحت إبط السلطات الحاكمة منحازين اليها على حساب القيم والمبادئ التي كان حرياً بهم الإخلاص لها والدفاع عنها مهما كلفهم ذلك من تضحيات. وهذا ما لم يفعلوه.
في كتاباته القومية نأى بنفسه عن الأساليب الخطابية التي تدغدغ المشاعر على حساب الموضوعية. كتاباته تغريك قراءاتها. تختلف عن هؤلاء الذين اسبغوا على القومية "قداسة" منقطعة النظير وكأن "القومية العربية" –وكما وصفها د. قسطنطين زريق في تقديمه لكتاب د. حازم نسيبة "القومية العربية شيء فريد في التاريخ-. علماً بأنها واحدة من روابط ودعوات قومية متعددة ظهرت عند شعوب مختلفة في الماضي والحاضر الذي نعيشه. (د. حازم نسيبة "القومية العربية فكرتها، نشأتها"، من منشورات وزارة الثقافة الأردنية)
القومية كما رآها شأنها شأن أي ظاهرة أخرى تتعلق بالشؤون الإنسانية. انها قوة تربط الأجزاء في كل وتحض على التعاون.
في كتابه السابق الذكر تحلى المؤلف وهو يتحدث عن الجانب التاريخي لنشأة القومية العربية بالروح الناقدة. نحّى العاطفة جانباً وهو يقرأ المواقف التي استعملت في دراسة القومية وتقيمها شأن كبار الكُتاب المنصفين.
نحن –كما يقول- "لم نبلور هويتنا العربية والروحية والثقافية بحيث تعيننا على استيعاب مستجدات العصر وطرائقه وعلومه".
ما زالت هذه الهوية القومية حائرة تبحث عن منقذ مخلص!
تحدث –رحمه الله- عن "الاتحادات غير المدروسة التي تمت عربياً في القرن الماضي والتي اثبتت فشلها والسبب –كما أرى- هو غياب الديمقراطية وغلبة "الانا" على "النحن".
حزّ في نفسه ما يشهده العالم العربي اليوم من خلافات وصراعات. فخطاب "الكراهية" بين الاشقاء هو السائد.
يتساءل –رحمه الله- هل من المعقول ان يكون الانسان العربي قد وصل الى مرحلة كراهية أخية العربي رغم المقولة القائلة" "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".
تطرق د. نسيبة الى الجامعة العربية منذ تأسيسها متسائلاً: اين ميثاق الوحدة والدفاع العربي المشترك وميثاق الوحدة الاقتصادية أواسط الخمسينات؟ لماذا لم يتم تفعيل أي منها؟ لماذا لم نقتد بالمجموعة الأوروبية التي نجحت في كافة ميادين العمل الاتحادي بينما فشلنا كعرب في تحقيق ذلك.
عربنا –مع الأسف- يمتلكون مليارات الدولارات المجمدة في البنوك. لماذا لا تُسترد وتُستثمر عربياً. لماذا لا تسود الحاكمية الصالحة؟
رحم الله د. حازم نسيبة في ذكراه الثاني التي تصادف في العاشر من شهر ابريل 2024م.
قامة وطنية كبيرة كان. طاهر الإهاب كان.
youseffmahmouddd34@gmail.com