"وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً": الإفساد الثاني والأخير
د. أنيس خصاونة
31-03-2024 01:40 PM
يقف المرء مدهوشا مذهولا أمام هذا العلو الكبير لإسرائيل وأتباع الديانة اليهودية في العالم المعاصر. طغيان يصعب وصفه واستيعاب أسبابه ومسوغاته… تدمير للبشر والحجر وإبادة عرقية شاملة في غزة ...قتل متعمد واستهانة بكرامة الفلسطيين في غزة والضفة الغربية ...سطو على الأرض والمياه وعلى البشر والحجر وطرد شعب كامل واقتلاع للناس من جذورها… تدنيس للمقدسات الإسلامية والمسيحية ومحاولة تهويدها...هيمنة كاملة على محيط عربي وكيانات كنا نعتقد أنها قوية…تزوير للتاريخ والتراث ومصادرة للأرض والممتلكات… وسطو مدروس ومخطط للقدس والمقدسات.
كل ما ذكر نعرفه وندركه عن هذا الكيان المحتل والمختل، ولا غرابة في سلوكيات التنمر والاستبداد لشعب لمم يبحث عن وطن، فيخير من قبل المستعمرين في وطن لهم في الكونغو أو فلسطين فاختاروا أرضا عامرة ذات ثقافة وارث ديني وحضاري تضرب جذوره في التاريخ. الملفت والمدهش تلك الهيمنة لدولة لا يتجاوز سكانها بضعة ملايين مستقدمين من مناطق مختلفة في العالم لتتمكن هذه الدولة الخبيثة من السيطرة على القوى والدول التي أسهمت في تأسيسها وإنشائها. سيطرة إسرائيل على الولايات المتحدة ،وبريطانيا، والمانيا تجاوزت الحدود لدرجة جعلت هذه الدول تبدوا خاضعة لإسرائيل وليس العكس .امريكا التي تحمي اسرائيل من خلال دعمها العسكري والمالي والدبلوماسي تتعرض للمناكفة والهجوم من القيادات الاسرائيلية وفي نهاية الأمر يضطر بايدن وإدارته للعودة عن مواقفه والتماهي مع الموقف الإسرائيلي في الهجوم على رفح وقد تكلل ذلك بإرسال آلاف القنابل والصواريخ وطائراتاف 35 لترمي حممها على أهل غزة.
دول أمريكا اللاتينية تتسابق لنقل سفاراتها للقدس…. دول عربيه تتبادل الزيارات مع إسرائيل وتتعاون معها… سلطة فلسطينية كرتونية تنسق امنيا مع الصهاينة وترشدهم إلى عناوين وأمكنة إقامة المناضلين…
هل بعد هذا العلو علو!!! هل بعد هذا التنمر الصهيوني على العرب وعلى الأمريكان وعلى الروس وعلى الأوروبيين وعلى العالم بأجمعه تنمر!!!
جاء في محكم التنزيل قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِير. في إطار تفسير العلماء لهذه الايه فإننا نكون حاليا في مرحلة الإفساد الثاني لليهود حيث انتهى إفسادهم الأول بانتصار الإسلام والمسلمين في المدينة المنورة ببدايات البعثة النبوية. ويبدوا إننا الآن في مرحلة |رددنا لهم الكرة وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا”. نعم نفيرهم كبير أمريكيا وروسيا وانجليزيا وعربيا وعجميا وأوروبيا وكنديا.
عندما احتلت القدس عام ١٩٦٧ روي أن بعض المسلمين سجدوا شكرا لله ليس سرورا بسقوط القدس، ولكن تحققا لكلام الله “إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. ومع كثرة وتباين التفسيرات لهذه الآيات فان طغيان الدولة اليهودية وبطرها وسيطرتها على العالم يبدوا أنها آيلة للزوال وان القدس قريبة العودة للعرب والمسلمين.
الإفساد الثاني هو هذا الطغيان والهيمنة على المقدسات والمقدرات والإهانة والإذلال الذي يعيشه العرب والمسلمين هو ربما المقصود بقوله تعالى “ليسوءوا وجوهكم” أي ليتنبه المسلمين ويعودوا لمنهج الله وعبادته وهل يمكن أن يكون أكثر إهانة وإذلال للمسلمين من هذا الوضع الذي هم فيه!
نعم هذا الوضع المهين يمكن أن يبعث الحمية ويستنفر الطاقات للعودة إلى المنهج الرباني الذي قضى بأن المسلمين سيدخلون المسجد الأقصى ويزيلوا هذا الطغيان. ربنا إنك ترى حالنا وهواننا الذي وصلنا إليه فلا كرامة ولا احترام لمآذنك وبيوتك وحدودك ،وكتابك يحرق ،وأولى قبلتينا تدنس يوميا ،والموحدين في غزة والضفة تنتهك حرماتهم، وتهدم بيوتهم، والأمم تداعى علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فهل اقترب قضاءك؟؟؟؟