معركة الكرامة وتعريب قيادة الجيش العربي تحولات أردنية جذرية
د. دانييلا القرعان
31-03-2024 12:40 AM
معركة الكرامة سجل المجد وكتاب الخالدين سطر خلالها نشامى الجيش العربي_ القوات المسلحة الأردنية _ أروع البطولات، وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور، حيث تحوم أرواح الشهداء في فضاءات الأردن، فوق سهوله وهضابه وغوره وجباله، وتسلم على المرابطين فوق ثراه الطهور، ويتفتح دحنون غور الكرامة على نجيع دمهم الزكي، وتسري في العروق رعشة الفرح بالنصر ونشوة الافتخار بهذا الجيش العربي الهاشمي، وتطمئن القلوب بذكر الله وهي تقرأ قول الحق على روح قائد معركة الكرامة الملك الحسين طيب الله ثراه، وشهداء الكرامة واللطرون وباب الواد والقدس والجولان، حيث يختلط دم الخلف بدماء السلف في يرموك العز، وحطين ومؤتة وفحل والكرامة، فيسمو الوطن بقدسية أرضه وحرية إنسانه وكرامة أمته وأصالة رسالته التي توارثها قادة هذا الوطن من آل هاشم، حتى آل نصر الكرامة إلى بناء واعمار وعطاء، وتعاون وتكافل بين أبناء الاسرة الواحدة.
ينير يوم تعريب قيادة الجيش العربي تاريخ الأمة، رافعا راية الفخر والاعتزاز في قلوب الأردنيين، ويتجدد الإعجاب ويستحضر الذهن ذكريات وارث الأمجاد وصانع نصر الكرامة جيش البناء والإعمار، وجيش الإنسانية والسلام.
نقرأ في صفحات المجد هذا القرار الجريء الشجاع في تاريخ المملكة، بإعفاء الضباط الإنجليز من قيادة الجيش، وعلى رأسهم رئيس الأركان الفريق جون باجوت كلوب واستبدالهم بضباط أردنيين، فكان القرار بظروف ذلك الوقت قرارا مصيريا وإنجازا نوعيا للقيادة الهاشمية الحكيمة على مستوى الوطن العربي بشكل خاص ودول العالم الثالث بشكل عام.
ويعكس تاريخ تعريب القيادة العسكرية في الأردن لحظة تحفيزية مهمة، حيث تجسدت إرادة الحفاظ على الهوية العربية وتعزيز الوحدة الوطنية، إذ يعتبر يوم تعريب قيادة الجيش العربي الأردني محطة هامة في مسيرة بناء الدولة وتطويرها، فهو يمثل استمرارا لترسيخ القيم الوطنية والروح القتالية في صفوف الجيش.
وقد تحدث جلالة المغفور له الملك الحسين - طيب الله ثراه - في افتتاح الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة الخامس في 1 تشرين الأول 1959 يقول: «إن قواتنا المسلحة هي درع البلاد وأمل العرب وقمة في الشرف والخلق العسكري، ومثل يحتذى في المراس والتدريب وقوة الشكيمة، وستظل بعون الله كما كانت أهلا للأمانة التي تحملها، في الصمـود أمام كل الأخطار حفاظا على أنفسنا، وعلى الوطن العربي كلـه».
هذه هي القوات المسلحة الأردنية التي تفخر بأن تحمل اسم الجيش العربي، ومعه المجد الصاعد من إرث التاريخ وشرعية القيادة ونبل النسب، فقد تكوّن الجيش العربي الأردني في عام 1921، وتأسس على عقيدة ومبادئ ورسالة تحدرت إليه منذ فجر الرسالة النبوية الشريفة والاستمرار لجهاد آل البيت الأطهار عبر التاريخ، حتى فجر الرسالة النهضوية في مطلع القرن العشرين، ليكتمل عقد النهضة بثورة كبرى تسعى للمجد والاستقلال والسيادة يقودها خلاصة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتصر لها العرب الأخيار والأغيار.
يقول الحسين طيب الله ثراه واصفا الجيش العربي الأردني: « أما الجيش العربي، القوات المسلحة الأردنيـة، فـدرع الوطن، وحمـاة الراية، أمـل الأمـة ومفخرة الأردن، وقرة عين الحسين، وهـو جيـش الثورة العربية الكبيرة، الجيش المصطفوي، الذي لا بدّ أن يعمل أبدا من أجل أن يبقى في قمة قدراته واستعداده تجهيزا وتدريبا في كل الظروف، وهـو جيش الشهداء الأبرار والرجـال الأخيار الأطهـار الذائـد عـن حمـى مؤتـة، وأرض المعارك الخالدة، الواقـف فـي وجـه التحـدي وهـو الحـامـي بعـون الله عمق الوطن العربي، وهو جيش شهداء القدس ونابلس وجنين، وجيش شهداء باب الواد والسموع وقلقيلية، وكل الأرض المفـداة أبـدا، جيـش الانضباط والـعلـم والعمل، وهـو جيـش مـن جيـوش الـعـرب.
وصلت القوات المسلحة الأردنية إلى مرحلة متقدمة في التطور والتنظيم، وواكبت التحديث في العلوم العسكرية في كل مجالاتها، هذه القوات التي ابتدأت عام 1921 وحتى يومنا هذا بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، بمجموعة من رجال الثورة العربية والنهضة تحلقوا حول الأمير عبدالله المؤسس في معان، وانطلقوا في رحلة التأسيس حتى دخلت هذه القوات عمان في الثاني من آذار 1921، لتكون البداية المباركة تحت علم يخفق منذ القدم يحمل معاني الشرف والوحدة والكرامة، ويتحدث عن عصور الدولة العربية.
وكان يوم التعريب عرسا وطنيا، فانتشر الفرح في كل البلاد الأردنية بضفتيها حينها، وتهلل الوجه الأردني، وارتفعت الرايات تعلن وكأن يوم الاستقلال الأكمل هو ذلك اليوم، وأن الدنيا بأسرها ترى فيه العزة والكرامة، فعم الفرح والبشر الوطن، وابتهج العرب في كل مكان لهذه الخطوة الجريئة التي وصفها الجنرال كلوب في كتاب له صدر عام 1980 أنها (أجرأ خطوة وأذكى قرارا لقائد في الشرق الأوسط)، وعبر العرب في كل مكان عن فرحتهم بما حدث، أرسلوا البرقيات وكتبوا في الصحف، ونطقوا بحقيقة أن في الأردن وطنا عزيزا وقيادة أعز، وشعبا أغلى قد التقوا على حب الخير للعرب وحب الوطن، وأن الحسين رحمه الله قد أثبت للجميع أن الحجم والمساحة والعدد والعدة ليست هي وحدها معيار القوة الكافية، وأن القوة الأكفأ هي الإرادة والعزيمة والشجاعة وصدق النوايا والتوجه.
لذلك نحن الأردنيون نحتفل في شهر آذار من كل سنة بأهم مناسبتين عاشها الأردن بكل فخر واعتزاز وقوة، ذكرى تعريب الجيش العربي، وذكرى معركة الكرامة الخالدة.. فليحفظ الله باني الأردن وعمودها الأساسي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم..والرحمة للقائد الفذ المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه..
الدستور