مجزرة اللّيمون: صرخة الأرض ودموع الفلاحين
د. ثابت النابلسي
30-03-2024 10:44 AM
كان يسير ببطئ استدار بهدوء مسح عينيه ، ظننت أنّ ليموناته قد تطاير منها بعض عصارة القشور ، فدمعت عيناه ، لم يكن صاحب الشّماخ المتلثم بعزّة الأرض يريد لأحد أن يلمح دمعة قهره ، فهو القادم من بين أشجار الليمون المنتشرة كالواحات الخضراء في صحراء اليأس. هنا ، يعيش الفلاح الأردنيّ حياته بين أشجار اللّيمون، يعمل بشغفٍ وجهدٍ مضنٍ، لكنّه يجد نفسه محاصرًا بشباك الفقر واليأس. تلك هي مجزرة الليمون التي تكشف عن معاناة حقيقةً.
حيث يستيقظ الفلاح الأردنيّ كلّ صباح على وقع صراخ الأرض المعشوقة ، تناديه أشجار اللّيمون بصوت همساتها المتلونة بألوان الفقر والمعاناة .
يبدأ يومه في رعاية الأشجار وسقايتها بعناية، ولكنّ الجهد الذي يبذله يبقى معلّقًا بين أصابع الفقر في مواجهة تكاليف الإنتاج المتزايدة وانخفاض أسعار اللّيمون في الأسواق، الآن اصبح محاصرًا بين مطرقة الديون وسندان الحاجة. يتجاوز كلّ التّحديات والمعيقات ، لكنّه يتعثر في المتاهة المظلمة للاقتصاد، حيث يجد نفسه يبيع ثمار تعبه بثمن بخسٍ لا يكاد يكفي لتغطية تكاليف الإنتاج.وفي لحظة من اليأس ، تسلّلت دموع الفلاح الأردنيّ لتروي أرضه الجافة، وتبكي الأرض معه على تعبه الذي ضاع بين التّعب والأمل المنهك. هنا تتشابك دموع الفلاح مع دموع الأرض في لوحة درامية تعكس مأساة الحياة ومجازرها التي تحصد الأرواح والأحلام.إنّها مجزرة الليمون التي تجسّد معاناة العربيّ ، وتعكس واقعًا مريرًا يواجهه الكثيرون في أوطاننا العربية، حيث يبقى الجهد الشّاق محاصرًا بين أجواء اليأس والمصاعب الاقتصاديّة.
في ظلّ مشهد مجزرة الليمون، يتجلّى تشابه الواقع بين معاناة الفلاح الأردنيّ ومأساة الشّعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة بشكل مؤلم. فكما يذرف الفلاح دموعه على تعبه وعلى أرضه الجافة، هكذا يبكي الأطفال والعائلات الفلسطينيّة دموع الألم والمعاناة تحت وطأة الحروب والحصار.في غزّة وفلسطين، تتكرّر المجازر بين فترة وأخرى، تحصد أرواح الأبرياء وتدمّر ممتلكاتهم، فتتحوّل شوارع الحياة إلى مقابر جماعيّة، وتتحوّل أحلام الأطفال إلى رماد تطير مع رياح الحرب. يضيع حلم الجميع للعيش بكرامة وسلام في أرضه.إنّ معاناة الفلاح الأردنيّ ومعاناة الشّعب الفلسطينيّ تتقاطعان في مشهد دراميّ يجسّد حقيقة المأساة والظلم. فكما يتجاوز الفلاح الأردنيّ تحديات الطبيعة، يتجاوز الفلسطينيّ تحديات الحياة تحت وطأة الاحتلال والحصار. وكما تتشابك دموع الفلاح مع دموع الأرض في لوحة اليأس، تتشابك دموع الفلسطينيّ مع دموع السماء في لوحة من الألم والأمل المنهك.إنَّ مجزرة الليمون ليست مجرد قصّة عن فلاح أردنيّ يعاني، بل هي قصة عن الإنسانيّة والعدالة، عن الصّمود والأمل، عن المقاومة والتّضحية. وفي غزّة وفلسطين، تستمرّ المجازر في حصد أرواح الأبرياء، وتستمرّ الدّموع في السّقوط، ولكن يظلّ الأمل مشتعلاً بقلوب الشّعوب العربية ، يواجهون الحياة والموت بكرامةٍ والحياة والموت بصمودٍ.