للأسف أن المقاطعة التي حدثت و لا زالت قائمة منذ الهجمة الشرسة الجائرة لاسرائيل على قطاع غزة كشفتنا , أوضحت بشكل لا لُبس فيه كم نحن العرب لا نستطيع الانتاج و العيش دون الشعوب الاخرى , نعم نقاطع بعض العلامات التجارية و المطاعم و المقاهي , لكن هل نحن في موقع من التأكد بأنّ ما نستخدمه كبديل , هو بديل لا منتجات أو عناصر أو وحدات غير مقاطعة داخلة في انتاجه ؟ هل البديل منتج خالصٌ في التضامن مع المظلومين ؟
هذه المعضلة هي نتاج عقود من اهمال الصناعة , من كبح جماح التفكير و أسر المفكرين و المنتجين , من هروب للعقول و هجرة لاصحاب الفكر , من سيطرة الماضي على الحاضر و المستقبل , من عدم الهروب من صندوق الاستيراد الذي يقتل الارض و يصحّرها , الارض العربية كما العقل العربي خصب و منتج , لكنّنا نحن العرب من اوصلنا الارض و العقل لهذا المستوى العدمي ...
ننتشي بمقاطعة بعض العلامات التجارية و نحارب من يبتاعها من و نصوّرهم من هواتف اجنبية و نحمّل صورهم على تطبيقات و منصات اجنبية , لا بل نذهب إليهم بسيارات و ملابس و احذية و عطور اجنبية , نحن نضحك على انفسنا و نخدّرها كنوع من اراحة الضمير تجاه المنكوبين , لكن في الحقيقة عقلنا كما غزة سُلب و نُهب لكن بقرار منّا.
نحن العرب اصحاب الثروات الطبيعية كان بامكان منطقتنا أن تكون جنّة على الأرض, أن يُهاجر إليها لا منها , لكن للأسف لم نستطع التمرّد على الجغرافيا و البيئة , فالصحراء القابعة على ورق الاطلس هي ذاتها العقول التي تسكن هذه المنطقة , المقاطعة كشفت مدى تراجعنا عن ركب التطوّر , فلو قاطعنا مقاطعة حقيقيّة لجلسنا عراة كما خُلقنا.
عندما بدأت روسيا حربها ضد اوكرانيا , قاطعتها معظم دول العالم , منتجات و علامات تجارية و مطاعم و مصانع هربت أو خرجت أو حتى أقصتها موسكو من السوق الروسيّ , لم نسمع يوما عن مجاعة هناك , أو تدهور في السوق الروسي , أو حتى تذمّر من الروس كنتيجة لقلّة الموارد و المواد , ماذا سيحصل لو كنّا نحن روسيا ؟ كيف كنا سنعيش ؟ بالتأكيد هنالك هامش من القدرة , لكن هل نستطيع البقاء و الاستمرار كما فعلوا ؟ أمن الاجدر الآن أن تلتفت الحكومات العربية لهذه المُعضلة ؟ لأن نصبح منتجين أكثر عاما بعد عام ؟
من يملك الانتاج و تستطيع أرضه اطعامه تكون كلمته خالصة له , لا يساق و يستطيع عندما يقاطع حتى برفاهية أن يضرّ و يغيّر , المقاطعة اليوم هي تعبير شرعيّ عن الرفض , لكن يجب أن نفكّر بعمق و ندرك كيف أن المقاطعة كشفت ضحالة موقعنا كعرب على خريطة العالم...