أخطر ما يمكن أن تتعرض له الدولة -أي دولة- هو إحجامها عن تسييس تيار الموالاة، والأخطر من ذلك هو الدفع بشخصيات مهترئة ومفلسة ليكونوا في واجهة المشهد العام لتعميق جرحها الشعبي، وتقويض بنيانها النخبوي الذي يُفترض أن يكون المعبّر الأمين عن سياساتها وأولوياتها، ويحمي ظهرها من هجوم المعارضة وتقريع الناس.
في الوطن ثمَّة طابور خامس يحاول جاهداً التفرقة في الولاء بين مؤسسة العرش والانتماء للدولة وهويتها بل أن معظمهم لا يؤمن بوجود هوية للدولة أصلاً، ويحاول ان يتسلل إلى مفاصل الدولة لضرب قيم الموالاة وإجهاض تجلياتها الوطنية؛ متناسين أن الملك هو حامي الدستور ورأس الدولة وراعيها الأمين.
عدم حرص الدولة على تسييس الموالاة بوعي وانتباه شديدين يعني أن تتحول قوى الموالاة من واقع الهجوم والصراع الإيجابي مع قوى المعارضة إلى مدافع ضعيف مبعثر تائه خائر القوى، وأزمة المعلمين كانت مثالاً على انكشاف ظهر الدولة، واختباء معظم رجال الدولة في عباءة الصمت المدان، والسبب هو عدم تسييس الموالاة بقصد أو بدونه، وانكفاء نخب الموالاة من سعة المعايير الوطنية الشريفة إلى ضيق المصلحة والنفعية المقيتة.
نريد الملك، ولا نقبل سواه، ونريد الأردن؛ الدولة والتراب، والهوية، والكينونة، ولن نتخلى عن هواه، نريد الوطن بهياً برجالاته لا خجولاً مداناً من بعض نماذج مهترئة في واجهته السياسية، نريد الوطن قوياً بقوى المولاة وأحزابها البرامجية الناجزة لا هندسة فراغية للمشهد الحزبي تكون نتاجاً للوقيعة والتآمر وليّ الأذرعة وعفن المال.
عدم تسييس الموالاة تعني بالضرورة الانتصار التدريجي للمعارضة الأيدولوجية في الإسلام السياسي، واليسار الذكي الخطر، ومنظمات ماركس ولينين، وعدم تسييس الموالاة بنخب وطنية شريفة ومنتمية لم تألف أبواب السفارات ومراكز الرصد الأجنبي ستكون انتكاسة كبيرة، الدولة بحاجة الى نُخب صادقة واعية لا تعرف الدسائس، ولا يتندر عليها الناس، وتتغير قناعاتهم إلى الضدّ بسببها، وتتأذّى المؤسسات الراسخة بوجودها؛ فتضعف وتُختطف إلى مساحات لا تليق بالأردن المُفتدى وطناً، وقيادة، وتراب هو الطهر بعينه.
الموالاة شرف كما هي المعارضة حق؛ ما دامت مؤمنة بالدستور دون ازدواجية أو تُقية، وتسييس الموالاة واجب بحجم الشرف على الدولة وكلّ المؤمنين بدستورها وعرشها وهويتها وثوابتها ومصالحها العليا؛ أما الصغار ممن جثموا على رداءة حظّنا فسنجتثهم من بين ظهرانينا ولو بعد حين، واليد العليا دوماً للشرفاء والصادقين، وعلى ثرى الأردن الحبيب دائماً ما يستحق الوفاء.