رغم ان الخطاب الاقتصادي الرسمي يتحدث صراحة عن ضرورة تحسين مستوى معيشة المواطنين وحمايتهم من تداعيات ارتفاع الاسعار المتواصل, الا ان اجراءات الحكومات المختلفة على ارض الواقع تشير الى عكس ذلك تماما.

فبعض السياسات الجمركية المتبعة على سبيل المثال تكرس الفجوة الاقتصادية بين فئات المجتمع وتزيد من حالة البؤس التي تقبع تحتها شريحة اجتماعية واسعة, فاذا ما نظرنا الى جمرك السيارات نجد ان الجمرك يقل بشكل كبير كلما ازداد سعة محرك المركبة, اي ان السيارات الفارهة تحصل على جمرك اقل من السيارات الصغيرة التي ما زالت الرسوم الجمركية تصل في بعض الاحيان الى ضعف سعر السيارة نفسها, وكاننا نكافئ من يملكون القدرة على تعبئة اكبر لخزان الوقود, وهذا يفسر لنا انتشار سيارات الدفع الرباعي التي باتت اكثر من سيارات السرفيس.

المواد الغذائية وانا اتحدث عن الاساسية منها ما زال يخضع جزء كبير منها الى رسوم جمركية عالية تساهم بشكل واضح بارتفاع اسعار العديد من السلع محليا علما ان معظم دول العالم تعفي المواد الغذائية من تلك الرسوم لجعل اسعارها متاحة لاكبر عدد من المواطنين.

اما ضريبة المبيعات والبالغ نسبتها 16 بالمئة وهي من اعلى النسب في العالم فاول المتأثرين منها هم الطبقات الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود لانها تساهم في غلاء الاسعار وتؤدي الى تآكل القوة الشرائية لدخلهم المحدود اصلا, واذا كانت الحكومة جادة في ايجاد امان اجتماعي حقيقي للمواطنين, فعليها تخفيض معدلات تلك الضريبة الى مستوى اقل مما هو عليه الان لاتاحة مجال اوسع امام الافراد لتحسين استهلاكهم من السلع والخدمات وبما يساهم في تحسين اوضاعهم المعيشية, واذا كانت الحكومة تتحجج بان تخفيض نسبة ضريبة المبيعات سياسهم في تراجع ايرادات الخزينة فان تلك حجج واهية لانها من المتوقع ان تزداد بشكل كبير مع زيادة الاستهلاك وبما يضمن تعويض الفارق في نسب الضريبة نفسها.

ما زالت الحكومة تتعامل مع بعض السلع الكمالية بترف غير مقبول على الاطلاق وكأنها سلع حيوية رئيسية فتعفيها من الجمارك والضرائب مثل الادوات الكهربائية والهواتف وربطات العنق والعطور, فمن هو اولى بالاعفاء من الرسوم الجمركية والضريبية الغذاء والدواء ام ربطات العنق?

الرسوم المالية المفروضة على العقار تحتاج هي الاخرى الى وقفة مراجعة, فاذا اراد مواطن شراء ارض بغرض الاسكان بغض النظر عن مساحتها فانه يدفع رسوما مشابهة لمن يتاجر بالاراضي والعقار بهدف الربح او المضاربة فاي عدل في هذا ?

هناك الكثير من السياسات والبرامج الحكومية المتناقضة مع الخطاب الرسمي باستطاعتنا الحديث عنها بشكل مفصل, والذي يراقب تلك السياسات يجزم ان وراءها من ينظر للوطن من زاوية مصالحه فقط, والا لما اتسعت الفجوة بين الاغنياء والفقراء بهذا الشكل, واختلت موازين المعادلة الاقتصادية.

salamah.darawi@gmail.com

(العرب اليوم)