اعلم ان الكثير ممن سيقرأون منشوري لا يعرفون شجيرة البلان مع انها نبتة شوكية مستوطنة في إقليم حوض البحر الأبيض المتوسط تتواجد بكثرة الى جانب شجيرات الشيح والقرطم والchتيلا في جبال الاردن وسائر المناطق المجاورة ...
البلان شجيرة لها اشواك دقيقة على هيئة اغصان وفروع صغيرة متشابكة ومتعاكسة الاتجاهات وهي اقل ايلاما وفتكا من اشواك نبتة الصر مسمارية القوام والزعرور التي تخدعك بليونتها فيغريك نعومة شكلها وملمسها للاقتراب.
لا اعتقد ان على الارض الاردن نباتا يشبه اهله كما يشبههم البلان ...فهي صبورة شكورة تتحمل الجفاف وتفرح بالمطر ولشجيرة البلان وظائف عديدة في نظامنا البيئي وتمتلك قدرة استثنائية على التكيف والتجدد والبقاء .
مهما كانت المواسم جافة ومهما اشتدت حرارة الصيف تبقى البلانة جرداء تحسبها ميتة وهي تختزل الحياة تلوذ بها الأحياء الأخرى لتختبيء تحت اغصانها الجافة فتمنح كل ما لديها لمن يلجأ وتسمح للريح ان ينفذ بين عيدانها ولا تتذمر مهما تأخر نزول المطر ....
على سفوح جبال الطفيلة الشمالية كانت اولى خبراتي في رعاية الاغنام ايام العطل المدرسية وكان يدهشني تدافع مواليد الاغنام " البهم " نحو شجيرات البلان ومهارات هذه المواليد في التقاط الوريقات الثانية والحبيبات المستديرة من على اغصان شجيرات البلان التي تحولت من حالة الموت والجفاف الى الخضرة والحياة بعد الشتوة الأولى معلنة بداية ربيع واعد.
لم يكن الركض والتسابق والقفز اللولبي للمواليد ليتوقف قبل ان تصل إلى حدود المرعى وتتحلق حول شجيرات البلان لتمارس اولى طقوس استقلاليتها في التعود بدائل حليب الامهات.
كان ولا يزال البلان مقياسا لخصوبة الربيع فغزارة الاوراق وكثافة نمو الحبيبات الحمراء والخضراء وسط الاشواك وقدرة الصغار على النفاذ لها والتقاطها لحدود الشبع علامة من علامات جودة الموسم.
من المحزن ان بعض من لا يقدرون الطبيعة ولا يحترمون عناصرها وجمالها ولا يخشون انقراض هويتها يقوموا بأفعال التعدي فيخلعون هذه الشجيرات ويدوسون جذورها ويستخدمونها وقودا جاهزا وسريعا لينيروا ليلهم الحالك.
في حديثي هذا الصباح مع احد رفاق الطفولة عبر الهاتف سألته ان كان البهم في الطفيلة يشبع فتردد في الإجابة لانه لم يعرف قصدي فاعدت عليه السؤال عن الموسم المطري والربيع ونفوس الناس ودرجة الامل . اطرق صاحبي مرة اخرى وتمتم اشياء لم افهمها وتجنب الاجابة على سؤالي الغريب.
عندها تحرك في داخلي الحنين وتذكرت وادي الصفا ومغارة حديره وبريد وعفراء والمطيق والرفيد وعين كرما والحريم وكل المتابع وبحثت عن التسجيل الصوتي للشاعر الذي شدى " يا صيته هذه مرابعنا ...والعام يوم المطر جانا ".....تحية للديار ومن عمرها وسكنها وأدام الحياة في جنباتها.