في قلب هذه المدينة العتيقة، حيث تتشابك الأزقة وتتعانق الحجارة، وجدت نفسي أجلس في ركن قهوة، يكاد يكون خفيًا لولا الشمس التي تدل مرتاديه عليه هذا المكان، بأبوابه المتعبة وجدرانه التي تروي قصصًا من الزمن، يحمل سحرًا لا يوصف.
كانت الشمس تنساب بين الأسوار، ترسم لوحات ضوئية على طاولات القهوة، تضيف لمسة دافئة على الأجواء القديمة.
صاحب المقهى، بمهارة وتفانٍ، استغرق وقتًا لإعداد فنجان القهوة، نظرت إليه بتمعن شديد لما كل هذا الوقت، فرد مبتسما ليس المهم أن نعمل بل أن نستمتع بما نصنع.
تعلمت منه أن هناك شيء في هذه العملية يتجاوز مجرد تحضير مشروب قهوة عادي؛ إنه فن يُمارس بحب وعناية، يخلق لحظات من الانتظار الممزوج بالترقب، كل حركة كانت تتم بدقة، من انتقاء الحبوب إلى طحنها ثم تحويلها إلى سائل ذهبي يفوح بأريج يعيد إلى الذاكرة ذكريات لم تعشها.
وعندما أحضر الفنجان، تجلى أمامي معنى الاستمتاع باللحظة. القهوة التي صنعها بعناية كانت تجربة تُعيشك في أعماق التاريخ، تجعلك تشعر بروح المدينة النابضة، كنت أغوص أكثر في سحر المكان، أتأمل الأسوار التي تحتضن الناس الذين ينثرون أحاديثهم في الهواء. هذا الركن الصغير في المدينة القديمة أصبح جزءاً لا يتجزأ من قصة ودرس، قصة تروي عن سحر الأماكن.
وهنا تعلمت رغم بساطة الموقف أن الاستمتاع بالحياة يعد فنًا بحد ذاته، فهو لا يعتمد على الظروف الخارجية بقدر اعتماده على النظرة الداخلية للفرد، يقول ديل كارنيجي: "يوم واحد من الحياة مع السعادة والاستمتاع يساوي ألف سنة من الحياة المليئة بالتعاسة".
ويؤكد الفيلسوف الروماني سينيكا على أهمية الاستمتاع بالحياة من خلال قوله: "ليس الفقر هو عدم وجود الكثير، بل هو تطلب الكثير".
هذا يعني أن الاستمتاع بالحياة لا يأتي من تراكم الثروات أو امتلاك العديد من الأشياء، بل من الرضا والقناعة بما لدينا.
كما ويذكرنا الشاعر الأمريكي رالف والدو إمرسون بأهمية الاستمتاع بالرحلة وليس فقط الوصول إلى الوجهة، حيث يقول: "ليس الهدف هو الحياة الأبدية، بل هو الاستمتاع بكل لحظة". هذا يعني أن الاستمتاع بالحياة يكمن في تقديرنا لكل لحظة نعيشها، والبحث عن الجمال في التفاصيل الصغيرة التي تمر بنا كل يوم.
وان نظرنا بمختلف العدسات الأدبية والفلسفية والنفسية يصور لنا كتاب الحياة معنى الحياة، فمثلاً سقراط، الذي يُنظر إليه على أنه واحد من أعظم الفلاسفة، قال: "الحياة التي لا يتم فحصها لا تستحق العيش." يدعونا هذا للتفكير بعمق في قيمنا وأفعالنا، ومحاولة فهم الذات والعالم من حولنا بشكل أفضل.
في علم النفس، يُنظر إلى الحياة من خلال دراسة العقل والسلوك الإنساني. كارل يونغ، أحد الأعلام في هذا المجال، يقول: "من لا يفهم تاريخه الشخصي يكون محكومًا عليه بأن يعيشه كطفل." يشير يونغ إلى أهمية الوعي الذاتي وفهم اللاوعي في التحرر من الأنماط السلبية وعيش حياة أكثر إيجابية وإنجازًا.
من خلال هذه الأقوال، نرى كيف أن الأدب والفلسفة وعلم النفس يقدمون مناظير متنوعة لاستكشاف الحياة والاستمتاع بها.
هذه الفلسفة تتجذر في فكرة أن السعادة والرضا يمكن العثور عليهما في أبسط اللحظات والأشياء التي قد نميل إلى تجاهلها في حياتنا اليومية المزدحمة.
كما ويعتبر الاستمتاع بالحياة واحداً من أبواب الشكر التي يُظهر فيه الإنسان امتنانه لخالقه عز وجل جلاله على ما وهب وأعطى من النعم. فالاستمتاع في الحياة هو شكر لله عز وجل ومعنى للرضا والامتنان.