لم يمنع الأردن منذ السابع من أكتوبر المشهود أي تعبير أو تحرك لدعم الأشقاء في غزة ، ولم يضيق على أحد ، على أن يكون هذا تحت القانون ودون أن يمس الأمن الوطني ، وهو من الدول العربية والإسلامية القليلة الذي سمح بذلك حتى على مستوى الضفة الغربية!! وعلى امتداد ستة أشهر ظل الشارع الأردني يعبر عن موقفه تجاه الإعتداء على غزة بحرية تامة وتحت حماية رجال الأمن الذين يتواجدون في الفعاليات لحمايتها ، وفي الفترة الأخيرة للأسف أصبح البعض يصر على ان تتحول المسيرات وكل الفعاليات إلى إظهارها وكأنها حالة صدام في الشارع الأردني ، من خلال هتافاته الاتهامية والخارج عن القانون للموقف الأردني الذي تميز عن كل المواقف منذ اللحظة الأولى لانطلاق الاعتداء الإسرائيلي على غزة ومحاولة هؤلاء استفزاز رجال الأمن الذين يتمتعون بضبط النفس بأقصى درجاته ، والاحتكاك بهم حتى تظهر الصورة وكأن الأمن الأردني يمنع الناس من التعبير عن آرائهم ناهيك عن منصات التواصل الاجتماعي المشبوهة التي تتلقف الصور والفيديوهات المشوهة ليبدأ مسلسل التشهير والتطاول بعبارات مقززة لا تشير إلا إلى حالة نكران ، ومحاولة إدخال البلد في حالة من الفوضى ، وإظهار الدولة الأردنية بأنها مقصرة بحق الأشقاء في غزة .
لا أريد أن أستعرض تفاصيل الموقف الأردني منذ السابع من أكتوبر ، فقد بات هذا الموقف واضحا وجليا للعالم كله ، وخصوصا عند أهلنا في فلسطين وغزة بالذات ، فقد استلم زمام الأمر الملك عبدالله الثاني منذ الساعة الأولى ، وخاض حربا دبلوماسية شرسة ، واستطاع تغيير كثير من المواقف الدولية التي كانت منحازة لإسرائيل بالكامل ، وعلا صوت الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك وتوجيهه على كل المنابر الدولية دفاعا عن غزة وأهلها ، وتبيانا لحقيقة الأمر كله وأن الاحتلال هو أس القضية والصراع ، وتحولت الحكومة إلى خلية عمل تعمل على مدار الساعة على طريق دعم الأشقاء وتمكينهم من الصمود في وجه المجزرة البشعة على كل المستويات ، وتحول مجلس الامة بشقيه النواب والأعيان إلى منبر وطني كبير للدفاع عن أصحاب الحق ، وامتد تأثيرة إلى مجالس الأمة في الدول العربية الأخرى وتحفيزها لتشكل هذه المجالس جبهة قوية في وجه الدعاية الصهيونية المغلوطة عما يجري في غزة ، وإظهار الصورة على حقيقتها للعالم على مستوى مجالس التشريع والقرار أن ما يجري هناك ما هو إلا مذبحة مفتوحة بحق النساء والأطفال والشيوخ .
كل هذا الجهد للدولة الأردنيةالذي قاده الملك ويأتي من يردد هتافات في المسيرات تحمل اتهامات للجهد الأردني الذي قدمت من خلاله الدولة كل ما تستطيع تقديمه في المعركة على المستوى السياسي والدعم المباشر على الأرض ، ويستغل البعض أجواء الغضب الذي يعم الشارع الأردني إزاء ما يجري في غزة لمحاولة خلق معركة على المستوى الوطني ، والاستقواء على الدولة والضغط على عصبها وهؤلاء يعلمون جيدا في داخلهم أن الأردن في هذه الظروف المعقدة على المستوى العربي والإقليمي والدولي المنحاز في معظمه لإسرائيل يسير فوق أمواج عاصفة وعلى رمال متحركة في طريق دعمه للحق الفلسطيني ، وتحرك ليس فقط حسب إمكانياته بل في كثير من المواقف كان يتصرف فوق هذه الإمكانيات ، والكثير نبه إلى خطورة التصعيد الأردني على مصالحه .
لماذا يطلب من الأردن غير ما يطلب من غيره ، ويحمل فوق طاقاته في حين أن دول عربية وإسلامية ذات إمكانيات ضخمة تتصرف وكان الأمر في غزة لا يعنيها ، فلا نسمع أي انتقاد لها بل على العكس البعض يصفق لها وكأنها تخوض حربا من أجل فلسطين .
إن الأردن يظل عند المرضى "مأكولا مذموما " هؤلاء الذين لا يرون إلا من خلال أعينهم الرمداء والتي لا تستطيع أن ترى في النور ، كلنا اليوم مطالبون بالدفاع عن دولتنا ومواقفها ، وكلنا مطالبون بالدفاع عن أمننا الوطني ، كما أننا مطالبون أن نظل مدافعين عن الفلسطينيين أشقاء الدم والعقيدة والعروبة والجوار ، وعندما نحافظ على الأردن القوى المتماسك فإن الدولة لدينا ستظل مخافظة على قوة موقفها في معركة إحقاق الحق الفلسطيني بعيدا عن الخطابات التي لا تخدم فلسطين .
الأردن يتعرض لهجوم من الداخل والخارج لذلك يجب أن نظل منتبهين حتى لا يستطيع متربص أن ينفذ الينا بسهامه المسمومة محاولا النيل من قوتنا ووحدتنا وتوحدنا خلف دولتنا ومواقفها..