زيد الرفاعي .. لك الورد ولك الحياة
أحمد سلامة
24-03-2024 10:38 AM
اكتب اليوم عن رجل دولة حرسه الله بالشفاء والدعاء لا لسبب محدد ولكن لابراء الذمة الوطنية، فزيد الرفاعي رجل قليل من يشبهه فينا، لكن عمله كثير في كل لحظة حب وطنية…
لم التقيه في حياتي اكثر من مرات سبع وجها لوجه، لكنني رأيته في كل ومضة أردنية فيها الولاء الوطني ضرورة، والتفاني للعرش مبتغى لا يحيد عنه صاحبه..
كان هو الهدف الثاني بعد (رئيس الوزراء وصفي التل)، مدوا يدا له مليئة بالكره والتحدي، فاجابهم بمزيد من الصمود في وجوههم…
في كل مراحل الاعتراض على مواقفه بادارة الدولة (كان يرى ان رجل الدولة ليس من وظيفته ان يقدم للناس ما يحبون، بل يعطون ما يحتاجونه من تعميق للولاء ودرء للبلاء)
كانت اول مرة تشرفت بمجالسته في حياتي عام ١٩٩١م حين زرته بمعية سماحة الاستاذ الصديق والمرشد (محمود سعيد) لاقدم له اول انتاج لي على هيئة كتاب (الهاشميون وفلسفة الحكم)، كان حميما دافقا وكبيرا، ورأيت ايضا في بيته أول مرة حيث كان يزوره وقتذاك،
المرحوم (صلاح ابو زيد).. وابدى ابو عماد رحمه الله على طريقته التقريعية احتجاجه انني لم اقدم له نسخة اهداء.. كنت لم ازل شابا في مطالع الحياة العمانية الصعبة، واذهلتني دماثة ذلك (المحترم) زيد الرفاعي، حين قال له (ابو عماد الاخ احمد (هكذا لفظها) اظنه يستحي ان يقدم لك هدية في الفكر الهاشمي فانت استاذ في هذا المجال)
اول سجية له، يحترم ضيفه، كما يدفيء رجال الدولة الاصدقاء بالحماية حين يجد الجد…
ودارت بي الايام مسرعة.. وغادرت (الصحافة لـ اعلام المقر السامي )… سأروي هذه الحادثة كشاهد عليها وليس لانني تعلمت منها..
منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان (زيد الرفاعي) في بيته دون اي منصب، وحين التقاه سيدنا الحسين رحمه الله بعد فترة لم تكن قليلة، ووقعت العين في العين رايت ذلك الدفق الاستذكاري لادوار خلت لـ زيد الرفاعي، كان الحسين، يحكي حين يحب بعينيه ولحظة اتخاذ قرار له حاسم، يرسل اشارته الاولى بعينيه… كان حظي الحسن في دارة سمو الحسن، ان رأيت ذلك كله.. ومن بعد يومين مشينا الى مناسبة وطنية مجيدة، وسيدنا الحسين سيلقي كلمة بازاء ذلك، وكانت الجهة المعنية قد (اعدت) كلمة سامية.. يومها كان لي شرف متابعة او غربلة او الاطلاع على مشروع ذلك الخطاب، وتلقيت امرا ملكيا ساميا، كي اضع الكلمة تلك.. بين يدي دولة زيد الرفاعي لابداء الرأي،
يومها.. جلست في مكتب منزله وسمير الزميل وليس سمير الابن في تلك اللحظة كنا معا…
كان كل اشراق الصوفية القادرية الجيلانية التي تحدرت من الملهم الاول (ابو الهادي الصيادي) قد هلل وجه ذلك الوطني الاردني اليعربي زيد الرفاعي.. ونيسا، وفرحا، ونبيلا كان حين باشر مراجعة مشروع الخطاب المقترح.. (اعترض على فقرة فيه)، لم ينتبه لها احد من قبله هو حتمية ان تكون كل مؤسسات الدولة منبثقة شرعيتها من شرعية (الملك) بضم الميم والولاء لـ (الملك بفتح الميم) وذلك عملا بالدستور
كان ذلك لي درسا وحكمة لم احد عنها منذ تلك اللحظة رغم ان اثمانا مكلفة كثيرا ما تقع حين يقرر المرء ان يكون ولاؤه للملك والملك
دون اية غرابيل اخرى…
اتمنى على كل اردني يهتم بالشأن الوطني بموضوعية ان يقرأ كتاب المذكرات (كنت مستشارا للملك / جاك اوكونيل).. لقد رسمت يوميات ذلك الامريكي المحتشم عن صورتنا الوطنية في اعسر اللحظات التاريخية من عمر وطننا عام الفتنة الكبرى (سنة ١٩٧٠ م) صور الرجال الذين افتدوا الوطن بارواحهم لم ينعزلوا ولم يستقيلوا وظلوا تحت النار والحديد رجال (الملك والمخلصون للحسين)
ولأن حظي العديد من الرجال ممن كانوا في حلقة الحسين الضيقة بالمديح والثناء فإن زيد الرفاعي كان واحدا ممن لم ينصف في دوره بازاء تلك اللحظات العسيرات
إن زيد الرفاعي لم يكن في اية لحظة من عمره له عين ثالثة يمدها لجماهيرية شخصية له، او شعبية تحسب في رصيده كان همه دوما مرضاة العرش وتنفيذ حكيم ومسؤول لاوامر الملك…
كان هذا الحلبي الشامي اليعربي ابن الزاوية (الصوفية الرفاعية القادرية الجيلانية) الذي يمتد تعلقه الصوفي بال البيت حد التداخل بين صلة القرب وصلة القرابة، وذلك امر غير مستحدث في سردية الرفاعية الحلبية..
لقد كان الشيخ الجليل اقضى القضاة في حلقة السلطان عبد الحميد هو من استن سنة الولاء حتى الموت للحاكم العدل… ولقد ابى ذلك الشيخ الجليل (ابو الهادي الصيادي) جد الرفاعية، كل مغريات وتطمينات وحوافز (الاتحاديين) ليوقع على مذكرة تنحية سلطانه المخلوع، لكنه استمسك بعروته الوثقى وغادر الى القبر في معية سلطانه
هذا المجد الموروث هو من اتى بـ سمير الرفاعي الجد من فلسطين الى الاردن ليدخل في صناعة ادارة الدولة وان من استقدمه هو (حسن خالد ابو الهدى) / الصيادي حفيد ذلك القاضي الصوفي الاشم (ابو الهادي)
اكتب اليوم عن زيد الرفاعي رجل الدولة الذي علمنا الدرس الازلي في الحياة ان الدولة القوية هي الدولة التي لا تجامل مواطنيها في الحفاظ على مصالحهم (في الكرامة والحرية والحياة الافضل)
هل يجوز الحديث عن زيد الرفاعي دون الوقوف على محطة (هبة نيسان سنة ١٩٨٩م)، فلقد وقعت تلك الهبة والرجل ذاهب الى بعيد في معية الحسين كان في رحلة عمل ورحلة فرح..
لقد كنت ضمن فريق في صحيفة الرأي حين كانت هي دائرة التوجيه الوطني الاولى في المملكة، راح يجوب الاردن من اقصى جنوبه حتى وسطه لان الشمال لم يكن مشمولا في تلك الهبة، وعلى مدار اربعين يوما كنا نسأل (لماذا الهبة)؟! والناس تجيب
وبعد مرور كل هذه السنين غضب من غضب ورضي من رضي، فإن حكومة زيد الرفاعي ليست هي الطرف في الذي جرى..
لقد التحق الحسين بربه عن عمر مبكرة وكانت همومه يرحمه الله ان اعتبرت الهموم مسطرة القياس للاعمار فان عمره قد تجاوز (عمر نوح وصبر ايوب معا) لكن امرين ظلا عالقين في حلقه كما صرح هو وامام اكثر من شخص كان لي الشرف ان سمعته يرسل حسرة على امرين وقعا في حياته وتركا له الما من نوع خاص (مؤامرة ضياع القدس) كانت توجع دمعته… واحداث ١٩٨٩ !!!
لم ير في حياته حلا للغزها ومن فعلها ولذا هو دون غيره قال لسمو رئيس الوزراء نريد انتخابات حرة تليق بشعبنا، (نريد ان نرفع غطاء الطنجرة، لنعرف محتواها)
لقد ظلمت الدولة وظلم الكثير من رجالاتها ليس في نيسان وحسب بل في عدة منعطفات تاريخية ولامر غريب في بلادنا كان دوما من يدفع الثمن العقائدي المؤمن بوطنه وعرش وطنه، ويجني الاثمار من يتفنون في جني المحاصيل
اليوم اشهد الله وهذا رأي اسأل عنه يوم القيامة ان زيد الرفاعي مدرسة في الدولة في محنه كان صبورا كصوفي وفي ارتقائه كان متواضعا ومحبا لوطن وفي ولائه… صورة تؤكد امر الباري جلت قدرته، وتلبية لندائه (واطيعوا الله، واطيعوا الرسول، واولي الامر منكم)
كان اول الطاعة للملك وزيد الرفاعي كان رجل دولة تحت رصاص الفتنة كان يلبي نداء قائده ومليكه لقد علمنا كيف تلغى المسافة بين الصبر وبين الصمت وبين الولاء في لحظات التجني
اتمنى لهذا الرجل الذي حط رجلا على رجل في البيت الابيض ردا على رونالد ريغان حين فعل ذلك بحضرة الحسين اتمنى لك بالقلب العمر المديد وان يديم عليك عز الدنيا ورحمة الله..