أرقام ودلالات أمام المفكر والمخطط الاستراتيجي
د. صالح المعايطة
24-03-2024 09:41 AM
عند الحديث بلغة الارقام ودلالاتها يعني لا مجال للاجتهاد وسؤ الفهم والتقدير ومن هنا وحرصا مني في وضع هذه الأرقام ودلالاتها امام المفكر والمخطط والاستراتيجي فالمخطط الاستراتيجي تهمه الارقام ،لكن الاستراتيجي تهمه الارقام ودلالاتها من اجل استشراف المستقبل وقراءة الفرص والتحديات في مجال الاستراتيجية الوطنية التي تضعها الحكومة ودعونا نتوقف عند الحقائق والمعطيات التالية:
*مساحة المملكة الاردنية الهاشمية تصل إلى 89.213كم٢ ،وهناك 3 إقاليم لغايات التنمية المستدامة وعلى النحو التالي:
*إقليم الجنوب ويشكل حوالي 51.8% من مساحة المملكة ويشمل 4 محافظات( الكرك ،الطفيلة، معان ،والعقبة ) ، ويقطن هذا الإقليم فقط 10% من سكان المملكة البالغ 11مليون فلماذا إقليم الجنوب طاردا للسكان وللاستثمارات؟
*إقليم الوسط ويشكل 16%من مساحة المملكة ويشمل محافظات (عمان،الزرقاء ،السلط ،ومادبا) ،ويقطن هذا الإقليم 75% من سكان المملكة، فلماذا هذا الإقليم جاذب للسكان والاستثمارات والتنمية مما شكل ضغطا على الموارد وارتفاع أسعار العقارات؟
* إقليم الشمال ويشكل 32.2% من مساحة المملكة ويشمل محافظات( اربد ،وجرش، والمفرق، وعجلون)، ويقطنه 15% من سكان المملكة ..فهذا الإقليم هو الإقليم المتوزان سكانا وتنمية بسبب قربه من العاصمة ولا يعتبر هذا الإقليم طاردا للسكان والاستثمارات.
*ما دلالات ان سكان العاصمة عمان لوحدها يشكلون 42% من مجموع سكان المملكة ، وهنا لا بد من التوقف عند دلالات هذه النسبة التي تحتاج إلى وقفة مراجعة من خلال التساؤلات التالية :
* هل يعقل ان محافظة العاصمة لوحدها تشكل 42% من سكان المملكة....؟. بالمقابل هناك 11 محافظة لا يقطنها سوى 58% من سكان المملكة؟
* هل يعقل ان مساحة محافظة العاصمة عمان 7579 كم٢ ، وعدد سكانها قرابة 4,6 مليون نسمة معظمهم متركزون في قصبة عمان وهذا هو سبب الازدحام، وبكثافة سكانية تصل إلى 300 نسمة في ال كم٢.
*هل يعقل ان محافظة معان في الجنوب والتي تصل مساحتها 32.500كم٢ ولا يقطنها سوى 175 الف نسمة وبكثافة سكانية لا تتجاوز 5 نسمة في ال كم٢ الواحد .
* سؤال للمخطط والمفكر الاستراتيجي الى متى تبقى محافظات الجنوب والبوادي الاردنية طاردة للسكان وطاردة للتنمية؟ وتبقى عمان وحدها جاذبة للسكان والاستثمارات والتنمية. وهل يعقل ان يكون في اقليم الوسط والشمال اكثر من 30 جامعة وكلية خاصة بينما لا يوجد في اقليم اية جامعة خاصة او كلية خاصة ...فاين التخطيط الاستراتيجي لتوزيع مكتسبات على مساحة المملكة.
في ندوة تلفزيونية قبل أشهر تحدث فيها بعض المهندسين والخبراء ان عمان "كربجت".اي السيارات ستقف يوما ما في الشوارع دون أن تتحرك والسبب هو تعثر التخطيط العمراني والتركيز على المركز وتهميش الأطراف .
جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه وفي كل جولاته الميدانية يقول للحكومات المتعاقبة اخرجوا إلى الميدان وتلمسوا حاجات الناس واستمعوا لمعاناتهم واعقدوا اجتماعاتكم في الاغوار والارياف والبوادي وانقلوا الاستثمارات إلى المحافظات التي تعاني من الطرد السكان، .فأين انت ايها المفكر والمخطط الاستراتيجي من كلام وتوجيهات سيدي جلالة الملك عبدالله الثاني!؟
معظم الدول التي ازدحمت عواصمها تم نقل العاصمة إلى مدن أخرى ، فعلى سبيل المثال تركيا نقلت عاصمتها من اسطنبول إلى أنقرة، وباكستان نقلت عاصمتها من كراتشي إلى اسلام آباد ، وتايلاند نقلت من ايوتايا إلى بانكوك، ومصر تعمل إلى الانتقال إلى العاصمة الإدارية/ القاهرة الجديدة.
هل يعقل ان الأطراف والمناطق النائية والمناطق الحدودية لازالت تعاني من تعثر مشاريع التنمية ، مما زاد من معدلات البطالة واتساع جغرافيا الجوع وجغرافيا الفقر مما اجبر المواطن ان يرحل من الطفيلة ومعان والشوبك والرويشد وعجلون والبادية الشمالية والجنوبية والوسطى إلى العاصمة عمّان وإنفاق دخله على أجور السكن أو قروضه بدلاً من عودته لمحافظته وباديته والاستقرار فيها والمساهمة في تنميتها وهكذا.
إلى متى تبقى الأطراف طاردة والكثافة السكانية قليلة جدا ، بينما العاصمة عمان تتواجد فبها كل الاسواق المالية والبورصات والمولات ومعظم الاستثمارات ومعظم الادارات الحكومية والوزارات والجامعات والمدارس والمصانع والشركات ..، وهذا الذي جعل عمان ان تزدحم وتكربج ، والمحافظات الأخرى لا زالت طاردة للسكان وتزداد فيها جيوب الفقر والبطالة .
واخيرا اقول، هل المخطط والمفكر الاستراتيجي يدركان ان تفريغ الأطراف من السكان وغياب الاستثمارات ومشاريع التنمية ستكون له تداعيات امنية حقيقية حيث أن مساحات الأطراف الجغرافية المفرغة من السكان والتنمية تعتبر خواصر ضعيفة للتهريب والاختراق وحواضن للمجاميع الإرهابية العابرة للحدود وهذا ما نلاحظه على حدودنا الشرقية الشمالية، مما يؤثر على آمن واستقرار الأمن الوطني والأمن المجتمعي الأردني.
اعتقد لا بد من وقفة مراجعة مع الذات ونتحدث مع بعض وليس على بغض ،والتفكير خارج الصندوق وخارج الدوار الرابع والتفريق بين السياسة الوطنية والاستراتيجية الوطنية ...فجلالة الملك حفظه الله ورعاه يقول دوما للحكومات المتعاقبة اخرجوا من المركز إلى الأطراف، ويطلب في كل خطاباته ولقاءاته مع المواطنين يقول اريد من الحكومات المتعاقبة ان تخطط لتنمية الأطراف، وهنا على الحكومة ان تلتقط ماذا يقول جلالة الملك وتحولها إلى كيف وهذه هي الاستراتيجية الحقيقية والخطط على الأرض يلمسها المواطن قولا وفعلا.