عمون - بينما تقترب الذكرى الأولى للحرب في السودان بين الجيش الوطني وقوات «الدعم السريع»، لا تزال الغالبية من السودانيين تجهل مكان وجود الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطيح به في ثورة شعبية في 11 أبريل (نيسان) 2019، وأودع بعدها السجن المركزي في «كوبر» مع بعض أركان نظامه، قبل أن يتم نقله بقرار طبي إلى المستشفى العسكري داخل «السلاح الطبي» في مدينة أم درمان، وفرار معاونيه من السجن بعد أسبوعين من انطلاق الحرب.
ومنذ ذلك التاريخ، لا يعرف أحد مكان الرئيس السابق، ولا أركان نظامه الهاربين من السجن والمتهمين بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وعندما زار وفد من المحكمة الدولية السودان الأيام الماضية، التقى وزيرة العدل المفوضة هويدا عوض الكريم، لكنه خرج منها خالي الوفاض، ولم يحصل على معلومات أكيدة عن مكان وجود البشير ورفاقه الهاربين المطلوبين للعدالة الدولية.
حين اندلعت الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023، كان البشير وثلاثة من كبار قادة نظامه، هم نائبه بكري حسن صالح، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وعضو نظام «الإنقاذ» اللواء أحمد الطيب الخنجر، يقبعون في مستشفى علياء العسكري، تحت سيطرة الجيش داخل «السلاح الطبي» في مدينة أم درمان. وكانت قوات «الدعم السريع» تفرض عليهم طوقاً محكماً من الحصار.
وبعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، فر العشرات من قادة النظام المعزول المحتجزين من سجن كوبر المركزي، في منطقة الخرطوم بحري، كما اختفى أي ذكر للمجموعة الموجودة في المستشفى العسكري المحاصر.
ومنذ ذلك التاريخ تتضارب الأنباء عن مكان الرئيس السابق، وأركان نظامه الهاربين من السجن.
مقاتلو «الدبابين» نفذوا عملية تهريبه
«الشرق الأوسط»، تحدثت مع مصدر قريب من مراكز القرار في «الحركة الإسلامية» السودانية، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد أن البشير تم تهريبه من مستشفى «السلاح الطبي» في أم درمان، إلى مكان آمن في شمال السودان.
وقال إن عملية تهريبه مع وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، نفذتها نخبة من «الدبابين»، وهم مجموعة من المقاتلين المتشددين التابعين لتنظيم «الحركة الإسلامية»، وقوات الإسلاميين الخاصة، دون مشاركة كبيرة من الجيش، الذي اقتصرت مهمته على توفير تأمين محدود للعملية.
ورجح المصدر أن يكون الرجلان قد نقلا مباشرة إلى مدينة بربر في شمال البلاد؛ حيث تردد أن قادة الإسلاميين عقدوا اجتماعاً كبيراً سرياً في المدينة، ترأسه البشير. وأشار إلى أن العملية تمت قبل أكثر من شهر تقريباً، وليس عقب وصول قوات الجيش لمنطقة «السلاح الطبي» المحاصرة منذ عدة أشهر.
وذكر المصدر القريب من «الحركة الإسلامية» أن الحالة الصحية والبدنية للرئيس السابق عمر البشير ورفيقه عبد الرحيم محمد حسين، تدهورت بشكل كبير خلال أشهر الاحتجاز.
وأكد أن تهريب الرجلين تم التخطيط له قبل أشهر، وتم تنفيذه بواسطة «قوات خاصة محترفة تابعة للجناح العسكري لتنظيم الإسلاميين»، منذ أسابيع قليلة من الآن.
وتحدث المصدر عن تنفيذ عملية إنزال جوي معقدة سبقت تهريب الرجلين، هدفت لإنقاذهما، بإيصال مستلزمات طبية وغذائية عاجلة لهما، إثر تدهور حالتهما الصحية والمعيشية لدرجة الحاجة لملابس بديلة لتلك التي تهرأت على جسديهما، وهو الأمر الذي حفز على تسريع عملية التهريب.
ورجح المصدر أن تكون العملية قد تمت بطائرة مسيّرة، لا سيما أن المروحيات ستكون هدفاً سهلاً لقوات «الدعم السريع»، إذا حاولت الاقتراب من المنطقة المحاصرة.
وفي هذا السياق، قال الناشط السوداني البارز، هشام عباس، في تغريدة على حسابه في منصة «فيسبوك» لقيت رواجاً كبيراً، إن «ما أطلق عليها عملية فك الحصار عن سلاح المهندسين، ما هي إلا غطاء ناري كثيف لتهريب قياديين بحزب المؤتمر الوطني وبعض مرافقيهما من السلاح الطبي، من الذين ظلوا تحت الحصار منذ بداية الحرب، لتدهور الوضع الصحي لأحدهما، ما تطلب المغامرة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر».
الجيش يمتنع عن التعليق
وعادة ما تلوذ السلطات العسكرية بالصمت حيال مثل هذه المعلومات. ولم تحصل «الشرق الأوسط» على أي تأكيد أو نفي من المتحدث الرسمي باسم الجيش، لا سيما أن خدمة الاتصالات الهاتفية ما تزال مقطوعة عن الخرطوم.
ولم يذهب رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول عمر البشير، المحامي محمد الحسن الأمين، بعيدا عما قاله المصدر الرفيع لـ«الشرق الأوسط»، بتأكيده أن موكليه عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وبكري حسن صالح، بالإضافة إلى القياديين يوسف عبد الفتاح، والطيب الخنجر، نقلوا من السلاح الطبي بعد نفاد الرعاية الصحية تماماً، إلى موقع عسكري آخر آمن في أمدرمان بحسب ما ذكره لموقع «سودان تربيون».
لكن الإعلامي إبراهيم الصديق، وهو من القادة الإعلاميين البارزين للإسلاميين ونظام الرئيس المعزول، جاء برواية أخرى تقول إن البشير ورفاقه لا يزالون تحت القصف والاستهداف المباشر داخل السلاح الطبي، وإنهم لم يهربوا أو يُهرّبوا.
ودعا الصديق السلطات العسكرية الحاكمة للعمل على تحريرهم و«رد اعتبارهم»، لكونهم حال إطلاق سراحهم سيعودون «جنوداً مقاتلين إلى جانب الجيش بالروح نفسها التي قاتلوا بها طوال حياتهم، رغم أن معظمهم على أعتاب الثمانين من أعمارهم».
ويُتهم قادة النظام المعزول بأنهم وراء إشعال الحرب الدائرة في البلاد بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، والعمل على تأجيجها بتسليح المدنيين للقتال في صفوف الجيش ضد «الدعم السريع».
وكان الرئيس المعزول عمر البشير، قد أدين بالسجن بتهمة الفساد وغسل الأموال، وتم ترحيله إلى سجن كوبر في الخرطوم بحري، فيما قطع اندلاع الحرب إجراءات محاكمته في قضية أخرى تتعلق بتدبير وتنفيذ انقلابه العسكري في عام 1989 ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً.