الوزير بلينكن الجولة رقم ( .. )
د. صبري ربيحات
23-03-2024 04:21 PM
بصرف النظر عن الادبيات التي نستخدمها للتغني بالصداقة مع الغرب ومهما تحدثنا عن العمل المشترك ووقعنا من بروتوكلات التعاون والتنسيق وايا كانت الاحلاف والمعاهدات ومهما ضخمنا فكرة وجود عدو مشترك يحتاج الى دعم غربي لمجابهته ويقتضي التنسيق مع الكيان الذي يحتل اراضينا للوقوف في وجهه تبقى الحالة الراهنة برهانا دامغا على اننا خدعنا وان عدو جدك لن يودك.
التباين في وجهات النظر والمواقف العربية من الغرب وانظمتها المنغمسة بايدلوجية الهيمنة على العالم لم يعد على نفس المستوى الذي كان عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي فقد خبت تيارات المعارضة العربية للغرب ودخل العالم العربي الرسمي في منظومة الضبط والسيطرة وتم الاجهاز على كل من يمكن ان يظهر شكلا من اشكال المقاومة للهيمنة الغربية تحت عنوان الدمقرطة بتمويل واسناد من اكثر الانظمة العربية محافظة وتبعية.
اليوم يشهد الشارع العالمي صحوة جديدة تكشف عن ادراك العالم للمدى الذي قطعته الانظمة الاستعمارية في اختطاف البشرية وابعادها عن الفطرة والطبيعة الانسانية المنحازة للخير والعدل والاجتماع على كل ما فيه خيرها وسلامتها وازدهارها.
في اوساط البنى والتنظيمات الشعبية والاهلية العربية تتعمق القناعة بوجود اختلاف عميق بيننا وبين النظام الاستعماري الغربي وقواه واذرعته واعوانه .وتتسع هذه الخلافات لتشمل الافتراضات الاتي يحلوها عنا وتلك التي نؤمن بها عن انفسنا وتمتد الاختلافات لتشمل الرؤى والتطلعات والمصالح.
الغرب الاستعماري لا يرى اننا شعوب جديرة بالاستقلال والحرية والعيش الكريم ولا يسمح لنا ان تحكم أنفسنا بأنفسنا ولا يتركوننا وشأننا. بشتى الطرق يتدخلون في دقائق الأمور ويزرعوا العملاء والجواسيس بيننا ليعرفوا عن كثب من يعمل ماذا وكيف ومتى ليتمكنوا من الضبط والتوجيه وييسروا لهؤلاء الاعوان التقدم نحو الصفوف الأولى في مسارات السياسة والادارة والاقتصاد ومختلف مجالات العمل.
ولا يتوقف ذلك عند اي حد بل يتدخلوا في هندسة العلاقات البينية بين الاشقاء وتحديد المشكلات ورسم الاولويات واتجاه الصداقات مع القوى خارج الاقليم وتعريف الأعداء وما يمكن ان يستغل من مواردنا وما لا يستغل في مخزون الحكمة المتوارثة مقولة امين الاهل في ترديدها عند كل مرة تحل بعالمنا مصيبة .هذه الحكمة تقول " ما يجيك من الغرب.... اللي يسر القلب " . البعض منا كان يأخذ هذه المقولة على انها من نافلة القول وليس لها ما يبررها والبعض الاخر يعتقد انها جاءت لتعبر عن اتجاهات اهلنا نحو الغرب الذي اقلق وجود أجدادنا لمئات السنين من خلال تتابع الحملات الصليبية وما تلاها من استعمار.
الاهتمام الذي كان يمديه الغربيون ببلادنا وهم لا يتكلمون لغتنا ولا يشبوهننا في السنحة ولا الدين و يعاملوننا بفوقية وتجبر كان احد العوامل التي رسخت هذا المعتقد لدى اهلنا . فقد كان الغربيون ولا يزال معظمهم يعتقدون ان العرب كائنات متخلفة لا يرقون الى مستوى حضارتهم وتفكيرهم ويذهب بعضهم الى ابعد من ذلك اذ يؤمنون بأن هذا العرق لا يستحق الحياة فبالنسبة لهؤلاء " العربي الجيد هو العربي الميت"
الصهيونية العالمية تتبنى النظرة الفوقية والسياسة العنصرية التي لا ترى ان للعرب حقوق مساوية لليهود ولا قيمة لحياتهم وهم كائنات متخلفة ينبغي قتلهم او اخضاعهم لخدمة اليهود فهم جبناء يكذبون ولا يمكن الوثوق بهم.
لا تختلف القيادة الامريكية الحالية بكل اركانها عن الصهيونية في شيء بل ان بعض رموشها اكثر تشددا من الصهاينة الأوائل. هذه الادارة التي باركت الهجوم الاسرائيلي على غزة وسمحت بالتدمير والابادة ومساوات المباني بالأرض هي الادارة التي قال زعيمها بايدن بأنه يفخر بصهيونيته ويدعم الكيان الغاصب بكل ما يستطيع وان من حق الجيش الصهيوني عمل كل ما يمكن لسحق المقاومة واعادة المخطوفين .
الوزير الامريكي بلينكن يفخر هو الاخر بيهوديته فقد منحته الحرب فرصة التعبير عن الانتماء وخدمة دينه وقوميته واستثمار النفوذ الامريكي لتذليل ما يظهر من عقبات وتقديم خدمات جليلة لإسرائيل وامدادها بكل ما تحتاج من مال وعتاد وغطاء سياسي لتبرير عدوانها على غزة وابادة أهلها.
مهمة الوزير الامريكي لا تتوقف عند تنسيق وادامة الهجمات وامتصاص وتنفيس الغضب الشعبي بل لتطمين الكيان الغاصب وجنرالاته المسعورين بان الامور تحت السيطرة ولإلهاء الشعوب العربية والرأي العام العالمي واغراقهم في تصريحات متناقضة لا هدف لها إلا التمويه وشراء الوقت.
الزيارات التي يقوم بها بلينكن للمنطقة واللقاء بالقيادات العربية لا تأتي من اجل وقف إطلاق النار بل لضمان استمرار العمليات الصهيونية بدون ازعاج ولحل كل المشكلات اللوجستية والمالية التي يحتاج لها النظام الصهيوني.
لا أحد يصدق ان يأتي وزير خارجية الدولة الاعظم للمنطقة وللمرة السادسة ولا يقول لإسرائيل شيئا حاسما عن وقف إطلاق النار لكنه يبحث كل ما يريد بأريحية كاملة مع نظراءه العرب . ولا أستطيع أن افهم كيف يعقد اجتماعه مع العرب لمناقشة وقف إطلاق النار وهم لا يملكون اي تأثير لا على القرار ولا على الأطراف. ان لم يكن ذلك ذر للرماد في العيون فما يمكن ان يكون.
المضحك المبكي أن الإعلام العربي يتناقل اخبار الجولات التي يقوم بها بلنكن ولا يقدم تحليلات دقيقا عن ما يقال في هذه الاجتماعات والجولات غير البيانات التي اصبحنا نستظهر نصوصها عن ظهر قلب.
ستمضي الأيام ويهرم كل الذين تقصعوا في مشيتهم أمام الكاميرات وكل الذين قالوا كلاما غير الذي اسروا به لنظراءهم وسيدفن من كانت جراحهم بليغة بعد ان يصمت هدير الطائرات ويختفي دخان البنادق وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.