مع إصدار تقرير السعادة العالمي لعام 2024، نواجه مرة أخرى فرصة للتأمل في مستويات الرضا والسعادة عبر العالم. للسنة السابعة على التوالي، تبرز دول الشمال الأوروبي، بقيادة فنلندا، كأمثلة يُحتذى بها في تحقيق السعادة المستدامة. هذا الإنجاز المتواصل يثير الفضول حول العوامل الكامنة وراء هذه السعادة المتجددة.

التقرير هذا العام يحمل تطورات مثيرة للاهتمام، إذ يُقدم للمرة الأولى تصنيفات تبعاً للفئات العمرية، مشيراً إلى انخفاض ملحوظ في مستويات الرضا بين الشباب في بعض المناطق. عربياً، تتصدر الكويت القائمة، متبوعة بالإمارات العربية المتحدة، في حين تشهد الولايات المتحدة تراجعاً في مستويات السعادة، ما أدى إلى خروجها من قائمة العشرين الأوائل للمرة الأولى منذ بداية التقرير.

العوامل الاجتماعية في فنلندا، مثل الدعم الصحي والتعليمي والأمان الاجتماعي والثقة في المؤسسات، تلعب دوراً رئيسياً في تحقيق مستويات عالية من السعادة. كما يُظهر التقرير أن الدول الأوروبية الشمالية المجاورة تتبع نفس النهج وتحقق مراكز متقدمة في التصنيف.

من الجدير بالاهتمام أن السعادة بين الشباب تتراجع في بعض الدول المتقدمة، مما يطرح تساؤلات حول التأثيرات المستقبلية لهذا التحول على المجتمعات. في الوقت نفسه، تحقق دول أخرى، خصوصاً في أوروبا الشرقية، مكاسب في مجال السعادة، مما يدل على تغيرات مهمة في خريطة السعادة العالمية.

يُعتبر تقرير السعادة العالمي مصدراً ثرياً للمعلومات يساعدنا على فهم أبعاد السعادة وكيفية تحقيقها. يتطلب الأمر تعاوناً دولياً واستراتيجيات مدروسة لضمان رفاهية الأجيال القادمة وتحقيق مجتمعات أكثر سعادة واستدامة.

التقرير يتم إعداده بالتعاون مع مؤسسات ذات سمعة وثقة عالية مثل مؤسسة غالوب، ومركز أكسفورد لأبحاث الرفاهية، وشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.

دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ عام 2015، أدركت أهمية السعادة وعيّنت وزيرة للسعادة ووضعت استراتيجية لجودة الحياة. جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة بدأت تهتم بالسعادة وعينت مدير تنفيذي للسعادة، وهناك الكثير من الدورات وورش العمل والملتقيات ركزت على مفهوم الساعدة وذلك لنشر المفهوم، كان لي الشرف بتقديم أكثر من 100 دورة في مجال السعادة المؤسسية، وتجهيز البنية التحتية لمتطلبات السعادة للناس. أنا والأستاذة رولا المعايطة أصدرنا أول كتاب باللغة العربية يتحدث عن السعادة المؤسسية وكان من أكثر الكتب مبيعاً وتم طباعته أكثر من 4 طبعات وكتاب عن السعادة المجتمعية.

المعايير العالمية لسعادة الناس تكون ضمن ست متغيرات رئيسية لتفسير تقييمات الحياة: الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر الصحي، والحرية، والكرم، وتصورات الفساد.

أما بالنسبة إلى سعادة الموظفين، فتكون المعايير مُنصبة على علاقة الموظف بالإدارة مع مؤشرات فرعية للمصداقية والاحترام والعدالة وعلاقة الموظف بوظيفته ومدى ارتباطه وفخره بها وعلاقة الموظف بالزملاء.

الثقة تُعتبر العامل الأساسي والأكثر تأثيرًا في هذه العلاقات، ومن وجهة نظر الموظفين، فإن المكان الرائع للعمل هو المكان الذي يشعرون فيه بالثقة في الأشخاص الذين يعملون لديهم وبالفخر بما يعملون وبالسعادة للعمل مع الأشخاص الذين يعملون معهم.

سعادة الشعوب والموظفين هي انعكاس عن جودة وثقة الناس والمتعاملين مع الدولة أو المؤسسة التي يعملون بها، في النهاية، موضوع جودة الحياة للمواطنين وسعادتهم ستكون هي المعيار الأساسي لازدهار وتقدم الدول.

* خبير التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية