* فصل من رواية :(منزل خضرة المحمد).
تلقفها الأخ الكبير ضاحكا، رغم ان نساء العائلة، فضلن التستر على مثل هذه الموجودات، .. إلا أن سطوة الطلاسم، حررتها، بخوف شديد من أيدي النساء.. فأشار «عمر المختار».. إلى أن مثل هذه الخزعبلات، مصيرها الحريق.
ثار فضولي، أصابني قلق مرعب على نهاية حجب خضرة المحمد.. وهي، ان كانت قليلة.. فأمر حصرها يحتاج الى أيام كثيرة.. لهذا.. واثناء مسير النعش، عند مدخل المقبرة تعرضت الى الأخ، شارد الذهن وقلت بسرعة جنونية:
- هات الحجب.. والطلاسم.. لا يجوز أن ندخل بها الى حضرة الاموات.. فحرمها.. له قدسية.. والحجب من أعمال الشياطين.
نظر «عمر»، بلهفة الى وجهي.. استبشر خيرا. ناولني صرة خضراء اللون، تداهمك ملامسها بأكثر من مادة زيتية، أو عطرية.. لعل البخور الدهن، واحد او اكثر فيما التصق بالصرة* من آثار.. وآثام..
بالطبع.. اخفيت الصرة في جيب السيارة التالية.. ركن «الكبير».. الى أن نعش الام ثابت، لن تقلقه الشياطين بسبب من حجب.. او طلاسم.. تقدم ماسحا لفح الشمس بمنديله المزركش، في الوقت الذي وصل إليه حفار القبور.. معلنا
- اعتقد ان كل شيء جاهز يا سيد عمر:
.. كانت كثيرة، صغيرة، متوسطة، مثلثة الشكل واحيانا مربعة.. وبعض منها اسطوانية، غريبة المظهر الخارجي، لونها سوداء، كفحم تتآكله نيران الارجيلة..
وحدي.. من عرف انها ثروة. هواجس خضرة المحمد الازلية تكمن بين لفائف هذه الطلاسم القماشية، ومنها في الحجب الداخلة على الحب والعشق ستة حجب.. ومن هذه الثروة.. الحجب.. حجابات لكل منهما ضد من غيرها من الحجب المتقدمة: ضد في الشكل.. وآخر في اللون.
- آه.. يا خضرة المحمد.. كم تعذبت حكمتك وبراءة مقاصدك.
ساعة.. إلى أخرى.. إلى زاوية من زوايا المكتبة .. التي لن تكون منظمة ذات يوم، الا بعد نيف من الازمنة التي مرت بنا نعارك حجب الحياة والموت..
صمت أدار اصابعي المرتجفة..
.. لكن ثبات اخر مر بها.
لأكتشف، أن في حجب الالفة.. والألاف.. حكايات امرأة عذبها جني اسود سكن منزل القلب من عائلتها طاردها في بيارة البرتقال، والى حواف البحر الذي سرق بابور الحج منها.. إلى غير رجعة.
.. أما ما رأيت في الصرة، لا أحد يدري كيف تجمعت الحجب، وبالطبع لا ندري متى (...) .. ومنها اربعة حجب لا ضد لها من معاني الحب.. او الكره.
في منزل خضرة المحمد، منزل موتاها.. وموات العائلة.. كان حجاب الموت ينفث رائحة البخور الهندي.. ورماد عظم من حوت مغربي.. وكنت رأيته.. ولعلي.. عندما أكتب عن حياتي.. سأذكر ذلك.. أما الآن..
لا ادري.. هل من المفيد القول، ان هذا الحجاب الغريب، مثلث الشكل، كان قد علق في زاوية البيت المقدسية، بيدي.. لا بيد غيري.
- لا يهم.. قالها «عمر المختار» باكيا، فيما كنت احس بطعنة الكذب.. فما ان عدنا من مسار النعش، تحيط بنا احزان الطريق وصوت العباد والخلق الكثر مما وفد لتكريم صورة الأم الصابرة خضرة المحمد.. حتى تحامل بعضنا على بعض. صمت . خوف. تعب.. وحكايات تتناثر في خارج البيت... رأيتها.. صورتها ساعة الرحيل.. ذبول نهائي وبريق يأتي عن جبين ابيض معطر.. ورمش استقر على صفحة خدها.. مزينا على العين التي سلبها صبي الطرقات ، المتمرد من الشباب الذين تربوا في بيتها.. البيت الذي كان موئلا سريا لحنانها وطلاسمها، سطوتها وخوفها.. ورعشات قلبها الابيض، المتسربل بالجهل والأمية.
- دفعت من أجل هذا الحجاب عشرة وقرشين!
.. صرختي، انا ابن العقد الثاني من عمر شقيقته الكبرى الذي ناهزت عقدها الخامس.. دوت الى رف الحمام، في سطح المنزل.
- في انسان عاقل يدفع (12) قرشا من اجل حجاب. يدبجه ويصرصره رجل اهبل وحشاش وغجري وجاهل ايضا.. ولماذا .. لكي تموتي على أرض الديار.. الى جوار الدالية.. لماذا يا مستورة!
ترتقى الى الصمت .. لن تتكلم عن حياة امرأة.. حيضها. وحوض دارها. حربها الذاتية. وحروبها مع الصبيان والبنات. خوفها وجهلها. احلامها والاضغاث منها(...).
حجب صامتة بين صمت القبور، حجاب الوصل. حجاب الهجر. حجاب الغدر. حجاب البين. حجاب الضنى. حجاب الموت.
سقطت في العلبة الكرتونية التي خبأتها بها.. ركنت رأسي الى حد الوسادة.. انسابت كأنوار بعيدة.. أحاطت بي كأشرطة من حرير، مررت بها بعيوني المسبلة. تحولت الوانها الى حمرة الدم القانية.. تتلاقح مع اخضرار عبق بالبخور وكبش القرنفل واللوز البري المر وحصا البان وقرون غزالية مفتتة. هامت حولي كثيرا.. كثيرا.. صعقني اصرارها على ان افتح عيوني.
متعبا. ينفطر العرق من مساماتي الوسخة، المدنسة بالإثم.. نظرت الى ركن حجاب الموت.. فرأيت قاصمة الظهر، وداهية الدهر والويل والعويل وقاطع كل رجاء.. لينتابني وجع لا يفنى.. ولن يفنى الى اليوم.
مرتقى صعب.. موت احمر.. بلاء اسود.. لا يرجى له اياب.
- لماذا يا خضرة المحمد؟! هل حقا كنت بحاجة الى الارتقاء الى معراج السماء من ذات المنزل.. اية مدارج كنت تنتظرين.
حدثني عن أول حجاب: حجاب الوصل. لا انسى لان حياتي الى مدارج اخرى.. انها وصفت ما خطة الحجاب، الشيخ الساكن جوار وادي شعيب: ذكر لي يا ولدي، ان هذا الحجاب، يجب الا يغادر خصلات شعري الخلفية، لا في ليل او نهار.. فهو إلى وجوه العشق واصل.. و جالب الحظ الرفيع. والواصل إلى الرتب السرية، بعضها رباني.. وقليلها ارضي، جالب الصفاء الذي لا كدر بعده.. ولامس شغاف القلب بعد أي مسوس.
ثم تبكي.. بمرارة وقهر.. على الذي غاب.. فلا نفع فيه حجاب او دعاء طلسم او حرق بخور او نجايا
huss2d@yahoo.com