غزة تحت المجهر: استشراف مسارات الصراع الممتد
د. نعيم الملكاوي
21-03-2024 10:23 AM
مع دخول الحرب على غزة شهرها السادس ، مزيداً من القتل ، التجويع والتهجير الممنهج من جهة ، والاصرار على تعطيل وتأخير اي اتفاق لوقف الحرب من جهة اخرى في ظل التلويح بورقة اجتياح رفح والتنكيل بأهلها بذريعة القضاء على ما تبقى من مقاتلي المقاومة ، يزداد التعقيد في تحليل الارتدادات على طرفي الصراع ليعود الوفد الاسرائيلي من الدوحة في حين يسافر وفداً اخر الى واشنطن.
تتشابك هنا الأبعاد السياسية والاستراتيجية لتشكل مسرحاً معقداً من الأحداث التي تؤثر بشكل عميق على كل من الجانب الفلسطيني ممثلا بفصائل المقاومة وإسرائيل .
أثر الحرب على إسرائيل
1.سياسياً ، تواجه إسرائيل تحديات داخلية متزايدة ، على كافة الاصعدة بما في ذلك الانقسامات السياسية والضغط على الحكومة لتحقيق نتائج عسكرية ملموسة . إطالة أمد الحرب يمكن أن يؤدي إلى استقطاب سياسي أكبر ويعزز الأصوات الداعية لمقاربات أكثر تشدداً في البيت الاسرائيلي.
2. استراتيجياً ، تواجه إسرائيل تحدي إدارة الصراع مع تجنب التصعيد الإقليمي . كما أن استمرار العمليات العسكرية يستنزف كافة الموارد ويمكن أن يؤثر على الجاهزية لمواجهات أخرى في المنطقة حال تطور الامر على جبهة الشمال الفلسطيني .
أثر الحرب على غزة / مقاومة وشعباً
1.سياسياً ، قد تتأثر حركة حماس والفصائل الأخرى بتغير الدعم الشعبي بناءً على إدراك نظرية النجاح أو الفشل في الصراع . مع ان مخرجات صراعات التحرر يحكمها منطق ان لم تخرج من المشهد فالمقاومة منتصرة ، ويقامر المقامرون على ان الحرب قد تعيد تشكيل البيئة السياسية في غزة وتحدد توازن القوى بين الفصائل المختلفة بعد الحرب ، وهذا ما تسعى اليه كافة الاطراف عدا المقاومة.
2.استراتيجياً ، يواجه القطاع تحديات جمة تتعلق بالبقاء والمقاومة تحت الحصار والقصف ، مع الحاجة الماسة إلى تأمين البنية التحتية والموارد الضرورية للسكان في حين اعتماد العدو سياسة الارهاب الجغرافي ضد السكان المدنيين.
النتائج المتوقعة
يصعب التنبؤ بنتائج الحرب ، لكن من المؤكد أنها ستترك آثاراً دائمة ومزمنة على الجانبين بالاعتماد على مدى سرعة التعافي واعادة التموضع . والذي سيؤدي الى إعادة تقييم استراتيجيات الصراع والسلام في المنطقة ، وربما تغير الديناميكيات السياسية في كل من إسرائيل وفلسطين بجناحيها.
التأثير الإقليمي والدولي للحرب يظل عاملاً مهماً ، حيث يمكن أن تفضي التطورات إلى تعديل في سياسات الدول المجاورة وتأثيرات بعيدة المدى على العلاقات الدولية في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك على البعد الدولي.
في النهاية ، الحرب على غزة ليست مجرد مواجهة عسكرية بل هي صراع تحرري يحمل أبعاد اعمق ترجمتها المقاومة ميدانياً بعد مرور نصف عام على الصراع والصمود التاريخي للمقاومة وقاعدتها الجماهيرية ، وتكشف الحرب على غزة عن تداعيات سياسية واستراتيجية عميقة لدولة الاحتلال ومن شايعها من دول المجتمع الدولي . فالحرب فرضت ضغوطاً سياسية داخلية متزايدة على اسرائيل ، مما قد يؤدي إلى تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية في حين ارتفاع تكلفة الصراع المطول التي قد تؤثر على استعداد إسرائيل لتحديات أمنية أخرى في المنطقة ، مع زيادة مخاطر التوترات الإقليمية .
الحرب قد تؤول إلى تغييرات جذرية في المنطقة ، تشمل إعادة النظر في مسارات السلام والتعاون الدولي ، مع إمكانية ظهور حلول جديدة للقضايا العالقة ، شريطة أن تتوافر الإرادة السياسية والدعم الدولي لإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار الإقليمي العادل في ظل وجود اكثر من لاعب يعبث في المشهد .