ذكريات مواطن عاش يوم الكرامة
الدكتور عادل الطويسي
21-03-2024 01:12 AM
كان ذلك حوالي الساعة السادسة والنصف من صباح الخميس ٢١ / آذار / ١٩٦٨ (وكنت في الخامسة عشرة من عمري) عندما كنت ومجموعة من الركاب من أبناء وادي موسى نتجه في الباص نحو مدينة معان، وفجأةً قطعت إذاعة عمان البرنامج الزراعي الذي كان يقدمه المرحوم الحاج مازن القبج وبدأت بإذاعة الأغاني الوطنية. توفيق النمري غنى "يابا الخيل شد المهرة المعنقية" ، تبعته اغنية " مابرضوا بالدنية مابهابوا المنية"، ثم "عالميدان ياإبن الأردن عالميدان" وتوالت الأهازيج والأغاني ، وكان المذيع يفصل بينها بقوله "هنا عمان اذاعة المملكة الأردنية الهاشمية". فأدرك من في الباص أن خطباً ما يجري.
وما هي إلًا دقائق لتعلن الإشارة الساعة السابعة.
وليعلن المذيع : " بيان صادر عن الناطق العسكري بإسم القوات المسلحة الأردنية ": في الساعة الخامسة والنصف من صباح هذا اليوم اجتازت القوات الإسرائيلية نهر الأردن في عدة محاور وتتعامل قواتنا المسلحة معها بكافة الأسلحة … الخ". فأوقف الحاج محمد عيسى الهلالات (السائق) الباص وبدأ الركاب في التشاور بالمضي نحو معان أو العودة الى وادي موسى، فكان الرأي العودة ؛ إذ أن من بين الركاب عدد كبير ممن ينتسبون الى الجيش الشعبي في ذلك الوقت.
عدنا الى البلدة فوجدنا الشارع يموج بالناس الذين انتشر بينهم الخبر بسرعة. وقد أُعلن عبر مكبرات الصوت في الجامع الكبير الى منتسبي الجيش الشعبي بمراجعة المخفر حالاً.
بقيت مثلي مثل من هم في سني في سوق البلدة أشارك تُجاره بالتجمع حول اجهزة الراديو كلما كان هناك بيان للناطق العسكري أو نشرة أخبار. شاهدنا في ذلك اليوم سرباً من الطائرات العسكرية الإسرائيلية يمر فوقنا ربما في عملية استعراض للقوة.
كان من بين البيانات العسكرية التي صدرت قبل ظهر ذلك اليوم أن قواتنا الباسلة تشتبك مع قوات العدو بالسلاح الأبيض في قرية الكرامة، أي وجهاً لوجه. فكان تعليق أحد الرجال المستمعين " لقد انتصرنا بإذن الله، اليهود مالهم معنا بالسلاح الأبيض".
وفي ساعة الظهيرة جاء الخبر الكبير: " العدو يطلب وقف اطلاق النار والملك الحسين يرفض الطلب حتى خروج آخر جندي صهيوني من الأرض الأردنية". فأستمرت المعارك حتى قبيل الغروب عندما أصدر الناطق العسكري بيان النصر بإنسحاب القوات المعتدية مخلفةً وراءها المئات من القتلى والعديد من الدبابات والمجنزرات المدمرة والمعطوبة ، بالإضافة الى اسقاط سبع طائرات معادية من قبل المدافع المضادة للطائرات في جيشنا.
لقد عرضت القوات المسلحة الأردنية لاحقاً وفي شوارع عمان العاصمة تلك الدبابات والآليات المدمرة، أو تلك التي استولى عليها أشاوس الجيش ، وذهب الناس من كل بقاع المملكة لمشاهدتها.
كان يوم الكرامة يوماً مُزّقت فيه أسطورة الجيش الذي لايقهر، وكانت المرة الأولى التي تطلب فيها اسرائيل وقف اطلاق النار في كل حروبها ومعاركها مع العرب. كان معركة الكرامة نقطة تحول استراتيجي في الحروب مع العدو الصهيوني، هُزمت فيه اسرائيل شرَّ هزيمة.
رحم الله الحسين وشهداء الكرامة، وكل شهداء جيشنا العربي المصطفوي.