سبعة وسبعون عاما من العطاء
د. صبري ربيحات
20-03-2024 12:21 PM
يصادف اليوم العيد السابع والسبعين لصاحب السمو الأمير الحسن بن طلال الإنسان والمفكر والعالم واحد أبرز الشخصيات العالمية التي عمقت التواصل والحوار بين الثقافات والحضارات الانسانية وبهذه المناسبة يطيب لي ان اسوق بعضا مما علق في ذهني عن هذه الشخصية الغنية المحبة الملهمة والخلاقة.
لا اظن ان اردنيا واحدا من الذين عاشوا العقود الأربعة الاخيرة من القرن الماضي لم يلتقي الأمير الحسن بن طلال او يستمع لتوجيهات مباشرة منه او يقرأ محاضرة له او يراه في بيت عزاء او مناسبة وطنية او على نشرة الاخبار..
في منتصف الستينيات من القرن الماضي كنت طالبا في المرحلة الابتدائية في قرية عيمة قضاء الطفيلة انذاك.. وقد أبلغت قريتنا بأن سمو الأمير الشاب الحسن بن طلال سيزور قضاء الطفيلة ضمن جولة له بعد ان عاد من الدراسة في المملكة المتحدة.
وفي ذات اليوم الذي تقررت زيارته توجه أهالي قريتنا شيبا وشبانا الى المثلث الذي تتقاطع فيه طريق عيمة مع الطريق الواصل ببلدة الطفيلة بعد أن قطعوا مسافة تسعة كيلومترات مشيا على الأقدام. كان كبار القرية قد نصبوا بيتا من الشعر وزينوا المثلث بقوس خشبي رصعوه باغصان الدفلى والزيتون وجللوا اطاره بقطع السجاد الأحمر..
كنا في حالة بهجة وفرح لا يمكن وصفها وانتظرنا ونحن نردد اهازيج وأغاني وتدربنا على بعض الهتافات التي ترحب بالزائر الكبير وترفع اسم قريتنا.. كان حماس اهل عيمة وكل أهالي الطفيلة كبيرا جدا إلا ان للثوابية هتافات اطلقوها في ذلك اليوم بعفوية وحب وبقيت موضع تندر من ابناء عمومتنا عشائر الجوابرة وبقية ابناء القضاء.. كان أهالي عيمة يهتفون "عيمة يا حسن.. تسعة كيلو يا حسن.. صير مثل خيك يا حسن"
وصل الأمير في موكب مهيب وتوقف عند القوس وحيا أهلنا وتناول فنجان قهوة قبل ان يستأنف رحلته ويدخل البلدة حيث الاحتفال الاكبر وتناول الغداء الذي اعدته المؤسسات والفعاليات في القضاء.
منذ ذلك الحين شعرت وشعر معي كل من كان في الاستقبال ان الأمير الحسن بن طلال منا ولنا وانه يفهمنا ويتعاطى معنا بواقعية وحب.. مقرونة بحبنا الذي لم يتزعزع لجلالة المغفور له الحسين الذين كان صوته يعيش داخل كل واحد منا فنقلده حبا وتيمنا كان ذلك اللقاء بالامير القادم الى الجنوب اساسا من الاسس التي شدت رباط المحبة والتواصل والتقدير لما تقوم به دولتنا وقيادتنا تجاهنا وتجاه مجتمعنا واهلنا.
في العقود التي تلت، بدى لنا الأمير قائدا و عالما ومطورا ومحفزا ومتابعا للمشاريع الكبرى تجده تارة في سلطة وادي الاردن واخرى في العقبة وتراه في الجمعية العلمية يتنقل بين المؤسسات ويرعى بناء الخطط التنموية ويؤثر ان يتنقل بين الاغوار والشفا ماشيا على قدميه...
في اوائل الثمانينيات اكرمني جهاز الامن العام ببعثة لنيل الدكتوراة في علم الاجتماع الجنائي من الولايات المتحدة عدت من البعثة وقد أنهيت دراستي، بقوة احساسه وسلامة فطرته و نفاذ بصيرته وشدة حرصه على التواصل شعرت وشعر الكثير من زملائي وكأنه يتابعنا عن بعد فقد اتصل بي من يعملون بمكتبه مرارا تارة لاتشرف بمقابلته واخرى لانظم ندوة حول إساءة معاملة الاطفال واخرى لتطوير تصور لوحدة حماية الاسرة ..
في العقود الاخيرة ظل سموه حريصا على التواصل يقوم بادوار مهمه في تعزيز المسيرة ودعم ومساندة مشروعات الدولة وحاضرا على المسرح العالمي ومشاركا في مساعي حماية الكوكب ومستقبل الانسانية ...حفظ الله الأمير ورعاه ومتعه بالصحة والعافية وحفظ الله الاردن وقيادته.