ما أن انتهى اعتصام الجمعة بما آل إليه من نهاية مأساوية، أنهت الصورة الحضارية التي ظهرت بها الأجهزة الأمنية خلال الأشهر الماضية، حتى بدأ تراشق الإتهامات بين الحكومة والمعارضة، وكل منهما يلقي باللائمة على الآخر باعتباره المتسبب فيما جرى، متجاهلين كل وسائل الإعلام والإتصال التي نقلت الحدث بالصوت والصورة، والذي يبدو معه أن نفَس الحكومة وتحديدا الأجهزة الأمنية بات قصيرا جدا بموازاة نفس المعارضة التي تعرف كيف تستدرج الحكومة وتوقعها في الخطيئة.
ما هو متداول على المواقع الإلكترونية، يُظهر بما لا يدع مجالا للشك هشاشة الرواية الحكومية لما جرى، في صورة تعود عليها المواطن الأردني من عدم تمتع أي رواية حكومية بأدنى مصداقية حتى وإن كانت هي الحقيقة بعينها.
المؤتمرات الصحفية التي تعقدها الحكومة، تذكرنا فيما مضى بتلك التي كان يعقدها وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف، الذي كان يصور المعركة القائمة على أرض الرافدين بأنها محسومة لا محالة لمصلحة الجيش العراقي وأن قوات العلوج سوف تنتحر على أسوار بغداد، لنصحو في اليوم التالي وقد سقطت عاصمة الرشيد دون أن تُطلق قذيفة واحدة باتجاه القوات الغازية.
جبهة العمل الاسلامي هي الأخرى بالكاد تترك شاردة ولا واردة إلا واستغلتها لصالح حشد المزيد من التأليب الداخلي والخارجي ضد الحكومة وأدواتها وسياساتها، الأمر الذي أحرج الحكومة وأخرج الأجهزة الأمنية عن طورها وأفقدها قدرتها على التركيز وبدأت بقصف المعتصمين بالهراوات تحت ذريعة الفصل بين طرفين، تم تصوير أحدهما على أنه يمثل الموالاة والآخر يمثل المعارضة.
طبعا ستشكل الآن العديد من اللجان من قبل العديد من الأطراف، واحدة لتقصي الحقائق وأخرى لقلب الحقائق وثالثة للتحقيق ورابعة للتنقيب، ثم لا نتائج تخرج على أرض الواقع، حالها كحال اللجان التي سبقتها والتي ستأتي فيما بعد، لنبقى ندور في نفس الرحى.
السؤال المهم، هل سنكتفي بتحليل ما جرى من أحداث؟ أم سنبقى في حالة تراشق دائم للإتهامات؟ أظن في أفضل الأحوال سنذهب نحو التهدئة ومعالجة النتائج في محاولة لجبر الخواطر، لتهدأ الأمور مؤقتا، ثم تعود للإنفجار بشكل أعنف من سابقتها، حيث الأسباب ستبقى قائمة ولا يبدو أن لدينا الإرادة لنذهب أبعد من ذلك من حيث معالجة الأسباب التي سببت معاناة كل الأردنيين وأدت إلى كل تلك الإحتقانات.
المطالب أضحت واضحة وصريحة، وهي ليست مطالب المعارضة وغيرها من الأحزاب التي ركبت تلك الموجة ووجدت فيها ضالتها لتحقيق ما خفي من مآرب، بل هي مطالب كل الأردنيين الأحرار، وبتنفيذها نسحب البساط من تحت الأقدام ونفوت الفرصة على من يضمرون شراً بهذا البلد وأمنه وقيادته.
محاسبة الفاسدين، استعادة الأموال المنهوبة، اصلاح اقتصادي، هذه هي أهم مطالب الأردنيين، بعدها يتم الإصلاح السياسي الذي أظن أنه سيكون تحصيل حاصل، وبعكس ذلك سنبقى نقدم للآخرين مزيدا من الأسلحة لتصويبها نحو صدورنا.
من يجرؤ على ذلك؟ لا أعتقد أن أياً ممن تسنمو مقاليد الأمور سابقاً وحالياً بقادر على سبر غور تلك الملفات أو حتى مجرد التفكير بالإقتراب منها، فالكل متورط بشكل أو بآخر بملف أو أكثر من تلك الملفات.
kalilabosaleem@yahoo.com