مالية الاعيان .. من يسمع ?
سلامه الدرعاوي
29-03-2011 03:11 AM
لا شك ان تقرير اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الاعيان حول قانون الموازنة العامة اعطت اضافة نوعية للفكر الاقتصادي في الدولة بما تضمنته من تشخيص غير مسبوق للاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني والبدائل الممكن اتباعها من الحكومة كي تحصن اقتصادها وخزينتها التي باتت اليوم تعاني من اسوأ عجز مالي منذ عام 1989 ، واصبح يشكل ما نسبته 9 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي قبل المساعدات.
تقرير مالية الاعيان الذي يعد بمثابة خارطة طريق للاقتصاد الوطني طالب صراحة هذه المرة ببرنامج إصلاحي واضح يعالج بطريقة مسؤولة الزيادة في عجز الموازنة والتوسع في الإنفاق, ويتناول السياسات العامة للدولة ويحدد الاطر الزمنية للمعالجات والوسائل المتاحة للسلطة التنفيذية للجوء اليها في ضوء المعطيات الراهنة.
لقد اصاب تقرير مالية الاعيان الحقيقة المرة التي يحاول الكثير من المسؤولين ومنظري السياسة الاقتصادية تجاهلها, وهو فقدان الاردن لبرنامج اقتصادي وطني, يكون منبثقا من صميم المشكلات والاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الاردني, يشارك باعداده كافة المعنيين لا ان يكون مقتصرا على جهة واحدة, فالتحديات الراهنة تفرض على الجميع تحمل المسؤولية لمواجهة الاستحقاقات المريرة.
في الاردن وخلال السنوات القليلة الماضية اعتمدت الحكومة في تسيير اعمالها على برامج انفاقية بعيدة كل البعد عن مفهوم التنمية المستدامة الحقيقية, لذا وجدنا انفسنا بعد كل ذلك الانفاق اننا حققنا نموا ولم نحقق تنمية بمفهومها الشامل الذي يضمن عدالة توزيع مكتسبات التنمية بين كافة شرائح المجتمع.
لم يكن هناك جهد وطني حقيقي خلال المرحلة السابقة لبلورة مشروع اصلاحي تنموي على المستوى الوطني, وكل ما في الامر ان البرامج التي نفذتها الحكومات السابقة كانت عبارة عن افكار وليدة لفئة معينة في الدولة باتت هي صاحبة اليد الطولى في ادارة الشأن الاقتصادي, لذلك كان يراها المجتمع انها برامج اسقطت عليهم ب¯ "البراشوت", وانها اي تلك البرامج كانت تخدم مصالح ضيقة في المجتمع وغير مدروسة من حيث نتائجها, والدليل على ذلك هو ان معظم ما نفذ لم يكن يتبعه اية عملية تقييم حقيقية للابعاد التنموية التي حققتها تلك البرامج التي سرعان ما تنفق الملايين, ثم تستبدل ببرامج انفاقية ولدت ضغوطا غير مسبوقة على الموازنة العامة التي باتت مطالبة ان تخصص نفقات تشغيلية لتلك المشاريع, وسرعان ما يتم توفير المخصصات بوساطة الاقتراض, لان الايرادات المحلية لم تنم بالشكل الذي نمت فيه النفقات.
التقرير شدد على ضرورة تحقيق الأهداف التالية: تخفيض العجز إلى نسبة لا تتجاوز 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي, والإبقاء على معدلات تضخم امنة, وتحقيق استقرار نقدي يتضمن المحافظة على سعر صرف الدينار عند معدله الحالي, وبناء الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى البنك المركزي, وتوفير سيولة معقولة في السوق المحلية تمكن الاقتصاد الوطني من تحقيق معدلات نمو مرتفعة.
تحقيق الاهداف السابقة سيبقى مستحيلا في ظل بقاء الاعتماد على سياسة "القطعة" وعدم وجود رؤية وطنية اصلاحية شاملة تترجم من خلال برنامج اصلاحي وطني.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)