تهيئة الفكر لصعود الحرية(9)جياد آدم
01-08-2007 03:00 AM
هناك عالم نفس أمريكي - ولا يحضرني الاسم حاليا - يرى أننا في النهاية لسنا سوى صورة مشاهدة للفكر وتجل من تجلياته .. فنحن -يرى- لسنا شيئا سوى أفكارنا أو " كما نفكر فإننا نكون" .. وعلى هذه القاعدة الذهبية تعتمد بعض مدارس تعديل السلوك والعلاج كالبرمجة اللغوية العصبية والحرية النفسية .. الخ. باعتبار إذا غيرنا في تفكير الإنسان غيرنا في أشياء كثيرة تتعلق به ومنها المشكلات التي يعاني منها لأنها تكون ناشئة عن طريقة تفكير معينة إذا زالت زالت معها مشاكلها . . وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الجماعات (العقل الجمعي). وفي رائعته رواية النورس جوناثان ليفنغستون يوظف ريتشارد باخ جيدا نفس الفكرة بأسلوب مدهش ورائع.. نورس البحر "جوناثان ليفنستون" الذي فكر على نحو آخر مختلف تماما عن بقية النوارس وبأنه طائر غير محدود وبإمكانه أن يطير بارتفاعات عالية جدا .. بل وذهب إلى أن للطيران أغراضا أخرى غير التهويم على سطح الماء لالتقاط الطحالب والقشور والعوالق..بل وظيفته الاستكشاف والتحليق؟ ..وفكر أنه عندما يتوقف النورس عن التفكير بأنه طائر محدود خلق للتهويم على سطح الماء لالتقاط العوالق عندها فإن أشياء كثيرة سوف تتغير ويمكن له أن يتعلم أن للطيران أغراضا أخرى غير التفكير في جمع القوت . أغضب جوناثان بتفكيره ذاك قطيع النوارس التي تعودت أن النورس لا يحلق عاليا ولا يطير إلا على سطح المياه .. وانه حينما يطير إنما لالتقاط قوته لا غير.. فقاطعته ووجد نفسه في عزلة وحيدا بسبب طرحه اللامألوف ومخالفته للقطيع. راح جوناثان يجرب لوحده فوق الخلجان والجروف البعيدة نظريته الثورية تلك .. عانى لكنه استطاع أن يصبح ما فكر به إن في سرعة الطيران أو في التحليق لارتفاعات عالية أو في البحث للطيران عن وظائف وأغراض أخرى غير التهويم على سطح البحر لجمع القوت . منتقلا ومستكشفا لعوالم أخرى محققا نتائج مذهلة مستمتعا بلذة الكشف..وليعود بعدها ويخبر القطيع بإنجازاته ويقدم خبرته لمساعدتهم . وهذه العجالة لا تغني عن القصة الرائعة المليئة والمشحونة بالفكرة والمضمون الهادف . في نفس السياق هناك أيضا ما يمكن وصفه بأنه برمجيات العقل باعتبار أن العقل يشبه إلى حد ما الكمبيوتر في أن له جزئين .. وباعتبار أن العقل هو غير الدماغ الذي هو أداة من أدوات العقل البيولوجية وليس هو العقل ذاته. فجزءه المادي وهو الدماغ والجهاز العصبي والغدد الصم ونوافذه على العالم (الحواس الخمس وما بعدها (كالاستبصار) وهو يناظر في الكمبيوتر المكونات الصلبة كالمعالج المركزي والذاكرة والذاكرة المؤقتة ...الخ. وجزءه اللا مادي وهو الفكر والثقافة والمعتقدات ومنظومة القيم ....االخ وهو يناظر البرمجيات في الحاسوب كبرنامج التشغيل والبرمجيات التطبيقية الأخرى. وكما أن جهاز الكمبيوتر حتى لو كانت إمكانيات المكونات الصلبة هي إمكانيات هائلة ومتفوقة فإن هذا لا يفيد إن كانت المكونات الرخوة أو "البرمجيات software " هي بمواصفات متخلفة كأن تلقم لجهاز بنتيوم 4 برنامج تشغيلي ويندوز 93 مثلا . كذلك هو العقل فجودة وتفوق مواصفات الدماغ (الذكاء والقدرات العقلية) لا تغني شيئا إن كان البرنامج الثقافي والمعرفي الملقم لها بسيط ولا يساعدها في استغلال تلك الإمكانيات وإطلاق تلك الطاقات. بل يكبلها ويجعلها تفكر في الأشياء بصورة خاطئة وهذا بالضبط ما يحصل ويجعل العقل العربي سطحي أو جزئي في تفكيره . والكثير مما يكبل طاقات العقل العربي إنما يكمن في البرمجيات ذاتها أيضا ، أي في (الثقافة والأفكار) المستخدمة والملقمة له .. وقد مثلنا لذلك بالكمبيوتر.. والثقافة المعنية هنا هي بمفهومها السيسيولوجي الكبير بكل ما تتضمنه في داخلها من مركبات بعضها تم تطعيم الثقافة به عن قصد لاعتقال العقل وبعضها الآخر ترسب في تلك الثقافة نتيجة معطيات تاريخية متعددة أو بفعل اختطاف الثقافة عن عمد وقصد وحقنها بمركبات معادية للعقل الحر ومن ثم وتجييرها للاستبداد ذاته .. لذا فجزء كبير من تلك الأزمة أيضا تكمن في ذات برمجيات العقل وهو ما ألمح له أحد الإخوة المتداخلين أو المعلقين على إحدى الحلقات دون أن يشير له صراحة أو يذكره لكن اكتفى بالقول أن هناك اعتبارات وأصنام أخرى تكبل العقل غير التي وردت في الحلقات السابقة فاجبته أننا آتون لها . . وقد تكون لنا عودة لهذه النقطة وبتفصيل أكثر. http://blacksteed.jeeran.com/reform/ jeaad@yahoo.com |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة