أصبح التغيير للافضل والتحسين من أولويات هذا العصر المتسارع في كل مجالاته؛ وسواء على النطاق الفردي أو الجماعي، لا بد من السعي إلى التحسين والتطوير وبشكل مستمر ويومياً. ومن هنا أصبحت هناك حاجة لنظرية أو منهجية بسيطة مادياً ومعنوياً، وهذه النظرية هي كايزن التحسين المستمر.

كايزن هي كلمة يابانية وتتكون من مقطعين: كاي وتعني التحسين، وزن وتعني المستمر؛ وهي نظرية تقوم على مبادئ التحسين المستمر والتدريجي، وعلى عدم إرتكاب الأخطاء، وعلى حل المشاكل بالإمكانيات المتوفرة، وعلى وقف الهدر بكل اشكاله.

وتتميز هذه النظرية بالبساطة وإمكانية الفهم والتطبيق من مختلف الأعمار والمستويات العلمية والتعليمية، وبأنها تناسب كل المجالات في الحياة: الشخصية والعملية والإجتماعية والصحية.

تتضمن منهجية كايزن التحسين المستمر تحسينات صغيرة تحدث النتائج المطلوبة، وهي منهجية عالمية أثبتت قدرتها على تحقيق التحسين واستدامته. ومع وجود عقلية جعل الأمور أفضل من وضعها الحالي أو السابق، نستطيع تطبيق هذه النظرية على المستوى الفردي وعلى البيئة المحيطة به كذلك.

من شروط الكايزن أنه لا بد من تحسين 20% من إجمالي العمليات كل سنة، مما يعني ان التغييرات والتحسينات تصل لنسبة 100% كل 5 سنوات.

ومن الجدير بالذكر أن فلسفة الخطوة الصغيرةالتي أصبحت فيما بعد كايزن، كانت هي السبب في تفوق اليابان وتميزها في النصف الثاني من القرن العشرين بعد الدمار والهزيمة الذي تعرضت له في الحرب العالمية الثانية.

فضلاً عن أن شركات ومنظمات ناجحة ومتميزة إعتمدت نظرية كايزن في إدارتها، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية في نجاحها؛ كانت كايزن كذلك من الأسباب الرئيسية في تميز دول وتغلبها على الظروف الصعبة التي مرت بها، وذلك لأن كايزن تعتمد غي نجاحها نحو التغيير المستمر على الإمكانيات المتوفرة، ولا تتطلع إلى الامور التي لا تمتلكها.

من الأمور التي تميز كايزن كذلك أنها تشبه كثيرا الثقافة العربية من حيث الإهتمام بالترتيب والنظافة وعدم الإسراف والمشورة والمشي بخطوات صغيرة نحو الهدف وعدم القبول بالأعمال غير الجيدة من خلال مبدأ الإتقان. ولذلك من الضروري أن نعيد إحياء هذه الثقافة بين الأجيال الصاعدة، ليصبحوا قادة مؤمنين بأهمية التحسين المستمر وبأهمية التطوير والتغيير لمواكبة الدول المتقدمة، والإنتقال من كوننا دول نامية إلى دول متجهة نحو النمو، ثم دولاً متقدمة.

وكل ما سبق لن يتحقق إذا لم يتم تدريب الأجيال الصاعدة على منهج التحسين المستمر في كل مجالات حياتهم، ليتقبلوا التغيير، وأن لا يتخذوا الظروف الصعبة، مادية أو معنوية، ذريعة لعدم القدرة على التغيير نحو الأفضل، أو نحو التحسين. ويتم تدريب كايزن للأفراد وليس للجماعات والشركات، لأن التغيير الذي يبدأ من الأفراد يكون أكثر ديمومة وقوة، ولأن ثقافة كايزن إذا إنتشرت بين الأفراد، سوف تنتشر بين الجماعات بطريقة أفضل وأسرع.

وفي الظروف الصعبة التي نواجهها، الظروف الإقتصادية، والظروف في غزة وفلسطين، نحن بحاجة إلى روح معنوية عالية، لنتمكن من الإستمرار بقوة، ولكي نبقى متفائلين بأننا نستطيع تغيير حياتنا إلى الأفضل، مهما كانت المعوقات؛ وكايزن تعتبر الروح المعنوية العالية من اولوياتها.

كل ما سبق يؤكد أهمية كايزن في حياتنا، وأهمية جعلها ثقافة يومية، فردية ومجتمعية.