اشكالية "غياب الطلبة" وإجراءات وزارة التربية
فيصل تايه
18-03-2024 10:43 AM
تعتزم وزارة التربية والتعليم وضع حلول إجرائية للحد من ظاهرة "غياب الطلبة" غير المبرر ، والتي تتكرر في بعض المدارس في مواسم معينة ، وعند بداية العام الدراسي أو مع اقتراب الامتحانات الفصلية ، وقبيل العطل والأعياد وفي رمضان ، بل وصلت لحد الغياب عند كل "شتوة" ، وتظهر بصفة جلية في المرحلة الثانوية ، وبذلك فان هذه الظاهرة باتت تشكل مشكلة تسبب نوعاً من الهدر التربوي ، ما دفع الوزارة للسعي الى تطبيق حد جديد لعدد أيام غياب طلبة المدارس وذلك اعتباراً من العام الدراسي المقبل وفقاً لتصريحات وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة في مقابلته في برنامج "صوت المملكة" الثلاثاء الماضي ، اذ أكد إنّ الحد الأقصى لغياب الطالب لسبب قهري أو مرضي وفق الاجراءات الجديدة سيكون ١٠% سواء بعذر أو بدون؛ أي بمعنى ان من تجاوز ٢٠ يوما من الغياب "يفصل ويرسب" في صفه أو يحرم من التقدم لامتحان الثانوية العامة ، كما أكّد، أنه يتم رصد الحضور والغياب في جميع المدارس يوميا وارسال السجل للوزارة؛ وفي حال تم اكتشاف فرق فيما هو موجود على أرض الواقع وما يرسل يتم الحساب وهذا مناط بمدراء المدارس والمعلمين .
انني وتعقباً على ما ورد على لسان معالي الوزير ، ومن واقع خبرتي الطويلة في الميدان التربوي ، فان ظاهرة غياب الطلبة "المقلقة" باتت مشكلة حقيقية لايمكن السكوت عليها فقد استفحلت بشكل ملفت تستعدي بالضرورة تطبيبات فورية ومداواة سريعة وإجراءات مشددة لمواجهتها ، الامر الذي يتطلب مشاركة كافة الفاعلين التربويين والمسؤولين لردء خطرها ومواجهة تبعاتها ، والدور الأهم في ذلك ملقى على عاتق مدراء التربية ذلك باستخدام سلطتهم الرسمية بشكل حازم ، مع ضرورة الاسهام في ايجاد معالجات تربوية توعوية وإرشادية مناسبة من قبل المختصين ، مع أهمية تفعيل دور مدير المدرسة والمشرف التربوي وكل من له علاقة بالمجتمع المدرسي لضمان انتظام الطلبة في مدارسهم ، من خلال تطبيق "فعلي" لأسس النجاح والإكمال والرسوب المعمول بها وما سيلحقها من تعديلات ناظمة ضمن تعليمات الدوام ، وعدم "التغاظي" على الاطلاق ، تجنباً "لانفلات" بعض الطلبة عن الانتظام في مدارسهم واعادة النظر في المدارس ذات "الإدارات الضعيفة" ، مع ضروره المتابعة والمساءلة المستمرة التي تؤدي إلى نتائج علاجية ناجعة ، خوفا من ان تأثير هذه "الظاهرة" وتاثيرها سلبياً في العملية التعليمية واستقرارها ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل تضع اجراءات وزارة التربية والتعليم المشددة نهاية لتفشي هذه الظاهرة التي قد تمثل مشكلة دائمة للمجتمع المدرسي .
ان آراء التربويين والقائمين على الشأن التعليمي تجتمع على أن ظاهرة "غياب الطلبة " وخاصة "الغياب الجماعي" ظاهرة قديمة متجددة ، وازداد تفاقمها بشكل مقلق بعد "كورونا" ، الأمر الذي جعل منها مشكلة مزمنة في العديد من المدارس ، وتعزى أسبابها لقلة التعاون بين البيت والمدرسة ، وسماح أولياء أمور الطلاب لأبنائهم بالغياب ، اضافة ان ازدياد ظاهرة الدروس الخصوصية ، وانتشار المراكز الثقافية التي تدرس المنهاج الرسمي ، والتي كان وقودُها تراجع دور المدرسة ، بسبب ان "بعض" المعلمين العاملين في المدارس الحكومية يعملون عملا اضافياً "بعد دوامهم" كمعلمي "دروس تقوية" في تلك المراكز ، ذلك ان عطاءهم في تلك المراكز يكون "مكتمل الاركان" ، ما ادى الى إتكاء الطلاب والأهالي على الدروس الخصوصية وإهمال العملية التعليمية في الغرف الصفية ، ناهيك عن البطاقات الالكترونية المدفوعة مسبقاً في ظل فوضى منصات التعليم ، كلها دوافع مدعاة لتفاقم هذه المشكلة ، ما سبب عند الطلاب اللامبالاة وعدم احترام النظام ، وادت إلى تفشي ظاهرة اتفاق الطلبة على الغياب الجماعي ، إضافة إلى القصور في نشر التوعية بأهمية الانتظام في الدوام المدرسي ، وعدم وجود اهتمام فعلي من جانب بعض الإدارات المدرسية بمتابعة مواظبة دوام الطلبة .
اننا ونحن نبحث هذا الموضوع فاننا نتوسم بالمعلمين " فرسان الميدان" الخير ، حيث لا بد من عودة دور المعلم التربوي في غرس القيم والأخلاق في نفوس الطلاب ، فهو من يتمتع بشخصية مؤثرة قادرة على الإقناع ، وحين يكون متمكناً من مادته العلمية وقادراً على توصيل المعلومة إلى الطالب بأسلوب سهل ومواكباً لمتغيرات العصر ، ما يكسب طلبته الشغف والاستمالة ، وينتظرون حصصه بحب وشوق كبير ، وبذلك فأنه يقدم خدمة وطنية إلى مجتمعه بتخرج مواطن متعلم صالح وشخصية ناجحة في الحياة ، وفي قناعتي فان المعلم وحده الذي يمكن له إثراء البيئة المدرسية بالأنشطة والفعاليات المشوقة للطلبة لتشجعهم على حب واحترام الدوام المدرسي ، اضافة الى دور مديري المدارس في دعم معلميهم في هذا الاتجاه ، فهم الجزء الهام من المجتمع التربوي ، اضافة للمتابعة المستمرة التي تحد بشكل كبير من الظاهرة ، ما يستدعي ، تضافر كافة الجهود المخلصة للقضاء عليها.
وفق ما تقدم ، بقي التأكيد مرة أخرى على الدور الكبير للمدرسة والبحث عن سبل فعالة لمواظبة الطلبة وانتظامهم ، وهذا يحتاج الى تقوية التواصل بين كافة الأطراف ، وتحديد العوامل الكامنة وراء غياب الطلاب بالاعتماد في التعامل مع تلك العوامل على البحوث النفسية والاجتماعية ، والعودة إلى الحاضنة الاساسية وهي الأسرة وتعميق صلات المدرسة مع اولياء الأمور ، وتعزيز انتماء الطالب لمدرسته كي تكون المدرسة بيئة جاذبه ومشجعة ومحفزة ، وهذا يحتاج بالضرورة الى تفعيل الأنشطة المدرسية الطلابية التي تشجع الطلبة على مواصلة مسيرة التعلم ، وهذا يدعونا الى التأكيد إلى ضرورة صياغة برامج توعوية فاعلة للطلاب وأولياء أمورهم ، باشراك مختصين من مختلف الجهات والمؤسسات التربويه ، وتقديم الدعم والعلاج النفس اجتماعي والمعنوي لهم ، وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم ، ما يلزم أهمية عمل ورش عمل توعوية لبحث أسباب هذه الظاهرة في كل مدرسة ، ويشارك فيها أولياء الأمور والطلبة أنفسهم ، مع ضرورة اعادة تفعيل دور مجالس الطلبة والبرلمانات الطلابية، واستخدام لائحة السلوك لتطبيق التعليمات على الطلبة المخالفين ، اضافة للدور الإيجابي التوجيهي الفاعل للإرشاد الطلابي .
والله الموفق