هل تكون أحداث غزة سببا في صحوة الأمة؟
سالم البادي
17-03-2024 11:59 AM
الكل يحلم بصحوة الامة من سباتها العميق الذي استمر عقودا زمنية طويلة فهل نحن على اعتاب مرحلة جديده وعهد جديد للبشريه وبالتالي صحوة ونهضة لأمتنا الإسلامية بعد مضي عقودا طويلة من التخلف والذل والهوان؟
هل أحيت غزة ضمير الأمه من جديد ؟؟
هل الإبادة والمجازر اليوميه لقطاع غزة حركت مشاعر المسلمين؟؟
بلا شك أن هذا الأمر لا يتأتى إلا بوجود جيلا مسلما مؤمنا بعقيدته الإسلامية السمحاء، ومدافعا عن مبادئها وقيمها الساميه.
ومن يتمعن في قراءة التاريخ جيدا يدرك تماما أن الأمة الإسلامية كانت في أوج حضارتها وازدهارها ومجدها إبان الحقب الماضيه، وقد ساهمت في القضاء على الأمم الطاغيه والمستبده ، فضلا أنها كانت لها اسهامات متميزة في تطور علوم الطب والصيدله والحساب الفلكي والفيزياء والكيمياء وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم بمختلف مجالاتها الانسانيه المختلفه فضلا عن تقدمها العسكري والسياسي والاقتصادي والمعرفي والثقافي ، فالمعرفة والثقافه بالحقائق معيارا اساسيا يقود الأمة الى التغيير والتحرير .
وبما أن أمتنا الإسلاميه اليوم تعيش في أسوأ حالاتها نستذكر أن هذا العام قد مرَّ على إحتلال المسجد الأقصى (بيت المقدس) مائه وسبع سنين من أنتهاء الخلافه العثمانيه ، وقد مرَّ على حريق المسجد الأقصى خمسة وخمسون سنة على أيدي الصهاينة ، وحتى يومنا هذا لم يتحرك أحدا من المسلمين لتحريره واستعادة قبلتهم الأولى وإعادتها إلى حاضنة الإسلام.
فالمسجد الأقصى له أهمية عظيمة في قلوب المسلمين ، فهو القِبلة الأولى لهم، وثاني مسجد بني على الأرض بعد المسجد الحرام ، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تُشد إليها الرحال، فضلا أنه مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومنه عرج به إلى السماوات العلا.
ومن يتبحر في التاريخ الإسلامي يجد أن مجد وهيبة وعزة المسلمين مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمسجد الاقصى، لأنه بيد المسلمين بمثابة عزة ومنعة لهم ، وإن ضاع منهم ؛ ضاعت معه هيبتهم وعزتهم وكرامتهم وهيمنتهم كما نرى في زماننا اليوم، فالامة في ذل وهوان وما زال الضعف يسيطر عليها حتى اليوم.
ولو نستذكر حال المسلمين قبل أن يحرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس من الصليبيين، حيث قام قبله نور الدين زنكي بنشر الإصلاح الاجتماعي والاهتمام بتدريس الشريعه وحفظ القرآن ، والقضاء على الفساد والنهوض بالاقتصاد ؛ عندها شعر بأهمية التفاف الأمه حوله ، وكان على قدر كبير من الوعي في واجبه الإسلامي للدفاع والذود عن حياض الأمة الإسلامية، وكان قائدا مؤمنًا صادقًا مجاهداً عظيمًا، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وحتى في خضم حروبه مع النصارى كان ينشر العدل ويبني الدولة ، ولم يشغله شاغل عن الجهاد ونصرة المستضعفين وتحرير المقدَّسات.
وتوفاه الله قبل ان يحقق طموحه لتحرير بيت المقدس، لكن جاء القائد صلاح الدين الأيوبي ليكمل ما بدأه نور الدين زنكي في درب الجهاد ضد الصليبين لتحرير المسجد الأقصى فكان همه هم الأمة الإسلامية واعادة مقدساتِها الى حضن الدولة الاسلاميه، وإعادة عزة المسلمين .
ونحن إذ نتتبع تاريخ الفتوحات الاسلاميه نستخلص منها الدروس والعبر.
فإدارة الدوله السديده وسياساتها الحكيمه الاستراتيجيه نحو تحرير بيت المقدس كان يلازمها قوة الايمان الصادق المطلق لهذه القضية، واخلاصها لله -عزوجل وخوفها منه، كما أنها هيئات كل الأسباب التي تؤدي إلى نجاح التحرير ، بدءاً من اهتمامها بالتعلم والتعليم وغرس القيم والمبادىء والاخلاق الإسلاميه بالنشىء ، والسلوكيات الإنسانيه الساميه التي حض عليها ديننا الإسلامي الحنيف وكل الشرائع السماويه.
والعلماء كانوا في مقدمة اهتماماتهم مع نشر الوعظ والإرشاد بين الناس، الأمر الذي أدى بدوره إلى نشر الوعي والثقافه باهمية القضيه، وأهميه الدفاع والجهاد لأجل استعادة المقدسات من قبضة الصليبيين .
أن الإيمان بالقضية الأولى للمسلمين، واهمية تحرير المقدَّسات الإسلاميه من الاحتلال الصليبي، كان الهدف الرئيسي للمجاهدين في تلك الحقب الزمنيه، وكانوا يضعون نصب أعينهم المسجد الأقصى الشريف.
لقد خص الله تعالى المسجد الأقصى بالذكر ورفع منزلته حين جعله مسرى عبده وحبيبنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، حيث قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير }(الإسراء:١).
لأخذ الدروس والعبر من هذه النكبات المتتاليه التي حلت بالامة الإسلاميه وفي مقدمتها قضية بيت المقدس والمسجد الاقصى ولكي يستفيد منها الأجيال الحاليه والمقبله نستخلص منها أنه من الأهمية غرس التعليم الصحيح والمعرفة والثقافة الصحيحه المبنيه على المفاهيم والحقائق والوقائع والاحداث التاريخيه الحقيقية، حتى تصبح الأجيال قادرة على قيادة التغيير لتصل لمرحلة التحرير .
وكذلك من الضروري بمكان تحرير العقول من التبعيه العمياء حتى تصبح عقولا مفكره متسلحه بالمعرفه الكافيه التي تمكنها من إحداث تغييرا جذريا تبدأ بحركة ممنهجة نحو التحرير .
العمل على زيادة توثيق الروابط المعرفيه والدينيه والاجتماعية والسياسية بين جميع المجتمعات الإسلاميه
لتصبح قادره لتحمل مسؤوليتها نحو تحرير مقدسات الأمه.
أن الإيمان بقضية الأمة وبأن نصر الله آتٍ لا محاله يجعل العلاقة وثيقة بين المسلمين وبيت المقدس، الأمر الذي سيجعل التحرير تتويجا لهذه العلاقة المميزة.
وقد علم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بأهمية المسجد الأقصى وربط أرواحهم وقلوبهم وعقولهم به قبل أن يتحركوا لفتحه، فقد كان المسجد الأقصى قِبلة الصحابة التي يصلون إليها فترتبط بها أرواحهم، بل كان الوحي المتنزل على رسول الله ثلثه قصصٌ لأنبياءٍ ولدوا وعاشوا على تلك الأرض المباركة، الامر الذي جعله رابطا للصحابة بتلك الأرض عقائديا وروحيا وعقليا .
فعودة مجد وعزة المسلمين وهيبتهم مرتبطه بعودة المسجد الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومرسى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا أبتغت الأمّة العزة والكرامه عليها أن تدرك أهمية عودة بيت المقدس إلى قلوب المسلمين وعقولهم وأذهانهم لتسيطر على تفكيرهم ويستطيعوا أن يعيدوها إلى حضن الدولة الاسلاميه.
شعب غزة ضرب مثلا فريدا في الصمود ،وأصبح صمام الأمان لبقاء فلسطين، وعملية طوفان الأقصى مرغت أنف الصهاينة في التراب وكشفت سوءاتهم العسكرية والاستخباراتية .
غزة بشعبها الباسل ومقاومتها الباسله تصدت للمخطط الصهيوني الذي يتضمن إقامة دولة الكيان الكبرى ، فتلك هي الخطوة الصهيونيه التي تعقب تصفية القضية الفلسطينية وبسط السيطرة الكاملة على أرض فلسطين، وتهجير سكانها.
كل شعوب العالم تفكر في الاستيلاء على هذه البقعة الصغيرة من الأرض؛ لقدسيتها وخيرياتها.
وندرك تماما أن هذه المنطقة ستظل بؤرة صراع إلى يوم القيامة،
فقد طمع فيها الفرس، والرومان، والصليبيون، والتتار ، والإنجليز، وطمع فيها اليهود ، وسيطمع فيها آخرون وآخرون، فأراد الله- عزوجل- أن يجعلها في قلوب المسلمين وتحت قيادتهم قال تعالى ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾(الأنبياء: ١٠٥).
ومن هذا التكريم الإلهي للمسلمين يجب ألا يقبلوا أن يستمر احتلال أو تدنيس المسجد الأقصى .
يقينا أن عودة فلسطين والمسجد الاقصى مرهونة بالعودة إلى الله، فلا يفيد أن يرفع المسلمون أيديهم إلى الله- عزوجل- يدعونه أن يرجع إليهم فلسطين ، وأن يرفع عنها البلاء ، وهم لا يقدمون عملا يستحق النصر ،ولا يرفعون سيفًا ولا رمحا ولا مدفعا ،ولا يتمسكون بقرآن ، ولا يحفظون سنة، وهم متواكلون ولا ينتجون غذاءهم ودواءهم وسلاحهم، ولا يطبقون شرع الله- عز وجل- في حياتهم ، فكيف يأتي التحرير والامه بهذا التخاذل والتقاعس والهوان والاستسلام؟؟
الإسلام منظومة متكاملة ،ومطلوب من المسلمين أن لا يهتموا بأشياء ويهملوا آخرى ، ولا يختاروا من الدين ما يوافق هواهم ، بل يكون شعارهم في حياتهم دائمًا قال تعالى: ﴿سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإِليك المصير﴾ (البقرة: ٢٨٥).
وتبقى قضية بيت المقدس والمسجد الاقصى قضية إسلامية حتميه، وحتمًا ستعود يوما إلى الإسلام والمسلمين ، ولكن الأهم من الذي سينال شرف تحريرها واعادتها الى الأمة الإسلامية ؟
ومن الذين سيعودون إلى ربهم ، فيعيد الله إليهم المسجد الأقصى ؟!