الوادي الذي شغف به الرحالة والمستشرقين وأثار اهتمام رواد البعثات البحثية والعلمية لتنوعه والآمنين من عابرين الطريق بملتقى رحلاتهم بين بئر السبع وشرق الأردن في طريق بيت المقدس والحجاز.
بعد أن أنهينا زيارتنا إلى العقبة ثغر الأردن الباسم كان خيارنا أن يكون لنا مسار استجمامي بطريق العودة لعمان بوادي عربة الطريق المؤدي إلى البحر الميت وقد عمدنا إلى كسر روتين طول الطريق ومستغلين أجواء نهايات الشتاء، لتكون نقطة إنطلاق المسار للغرب من بلدة بئر مذكور المنسوب إسما لمالكه مذكور السعيديين الذي جهّزه للسقاية وللبلدة أيضا ثمانية آبار قديمة كلا منها له حكاية غير ما استحدث فيها إلى جانب عدد من عيون الماء والينابيع العذبة التي يرتوي منها الناس من مشيط والطيبة والغويبة والذوي والضمان.
وفوق كثبان رملية كالذهب ذرتها الرياح وأعادت تشكيلها كأمواج البحر مخفية لما فيها من أثر لمسير الإنسان أو عجلات المركبات وكأن الزمان عاد بها إلى عصر التكوين وجفاف البحر القديم حيث كان يغمر المكان تاركا بها الكثير من خام الكوارتز والسيلكا اللامع، اتجهنا نحو واحة موسمية للجنوب من بئر المناجعة، واسترشدنا لمكانها بما حولها من نخيل معمر، لتكون هناك استراحتنا الأولى مع قدح من الشاي متئملين هذا الجمال وما لاح لنا من جبال الشوبك أم شومَرى ،وفي الأفق البعيد مطل الصَفَحاة وما مهد من طريق أمام مغارة أم العَمد النبطية وللشمال منها وادي أم حماط وغيرها مما سرنا فيه وكنا قد وثقناه بسلسلة مسارات، تلبد فوقها غيم أسود مع اقتراب نهاية الشتاء وشكل مع رؤوس جبال الشراة السمراء بمشهد بنورامي يأسر الألباب، مستغلين الوقت لالتقاط الصور وتوثيق اللحظة.
وما يمتاز به الوادي التنوع النباتي ما بين أشجار المناطق المالحة ونباتات السبخات والمناطق الرملية الجافة وأشهرها أشجار العجرم والسيال والسمر والقرضة والزقوم، التي أثارت اهتمام العالم المستشرق البريطاني هنري هارت ووثقها برحلته 1875- 1889 م عندما زار البلاد.
وبين الكثبات عسكر أحد مربيين الخيول طلبا للدفىء وحماية من برد الريح دعانا لفنجان قهوة – وفي عادة العرب لا ترد دعوة القهوة أبدا - متحدثا عن جمال المكان وخلوته الشتوية في كل عام شارحا لنا صفات جمال الخيول وكيفة تمييز العربية الأصيلة بصفات منها صغر الآذان ورقّة الأطراف وسعة العيون والصدر وفتحات الأنف وقصر الذيل وارتفاعه أثناء المشي والشعر الناعم الغزير، ليختم حديث جلستنا بشعر يروي عن مناقب الشجاعة والعروبة، وهي ما تتمتع به صفات البادية من أنفة وعز وجمال.
ومع أن مسارنا قصير المسافة إلا أنه كان غنيا بالمشاهدة والجهد حيث غارت أقدامنا العارية بالرمال لنختم المسار مرورا ببلدة قريقرة وقمنا بشراء سمن بلدي حر من سوقها المحلي هناك.