ان تفشل الدولة في ادارة أول امتحان لأزمة شبه حقيقية هو الأخطر في هذه المرحلة.
شعارات و تصريحات لا تمت الى المرحلة بصلة, و كأن القائمين عليها لازالوا يعيشون في الحقبة الغير "مأسوف على انقضائها" حقبة ما قبل الحداثة.
لم يكن امتحان دوار الداخلية الا امتحاناً صغيراً, و لكن السقوط في ادارته يعد فشلاً كبيراً. و لا شك ان العقلية التي ادارات الأزمة هي عقلية تعاني من عقم فكري واضح في التعامل مع الأزمات. و الأخطر يكمن بمحاولات قولبة للأمور و تدويلها و انشاء معسكرات غريبة و كأنها بداية لحرب قادمة.
كيف للأردنيين اليوم أن يقنعوا بأن حكومتهم قادرة على ادارة الأزمات. فمجرد تحول وقوف 800 شخص في دوار الداخلية الى قضية كبرى تعجز الدولة عن حلها هو الذي يحتم علينا السؤال عن قدرة الحكومة عن التعامل مع سيناريوهات مشابهة, فماذا لو خرج 800 شخص في كل محافظات و قرى الأردن. فهل ستندلع الحرب العالمية الثالثة؟ و كم دولة خارجية ستتهم عندها؟ و هل سيبقى للأردن بعدها صديق؟ نظراً لضرورة اتهام اعداد كبيرة من الدول لتبرير الفشل.
خاصية التعامل مع الأزمات هو المعيار الذي على أساسه تختار الحكومات في الأوقات الصعبة, و ان كانت هذد حكومات خلق أو تأزيم للأزمات فهذا اخر ما نحتاجه اليوم. للأسف فان عقلية ادارة الأزمات تظهر ضعف الأسلوب الحواري التكتيكي, فالمهمة كانت ابتكار طرق جديدة لجلب الجميع لطاولة الحوار بدلاً من الصدام و فالحكومة كانت بحاجة لتبني سياسة بناء الصداقات بدلاً من سياسة خلق الأعداء.
من كان يخاف من استخدام مسمى "ميدان" بسبب اكتساب المسمى بعده السياسي, كان يجدر به أن يعمل على الخروج منه و لا يتعامل بالطريقة التي اكسبت المسمى ثقله و حولت الكلمة الى رمز. فمن الخطأ ان تتبنى الحكومة طواعيةً طرفي المعادلة " ميدان + بلطجية".
الحكمة تقتضي اليوم أن تسير الأمور بطريقة تختلف تماماً عما تسير عليه الان. عقليات ادارة الأزمات يجب ان تبتعد عن العقلية الرسمية اليمنية او تلك البحرينية. فمن الواضح ايضاً ان هناك من يحاكي النموذج البحريني في ابتداع أساليب الفتنة في محاولة لتقزيم مطالب الناس. لا يمكن اللعب على هذا الوتر في الأردن, و نحن نرفض محاولات اولئك الذين يريدون تحويل المشهد ليشابه فيه فلسطينيوا الأردن شيعة البحرين. هم بذلك لا يدركوا انهم يعقدوا المشهد و يهيؤه لمشهد لا يحمد عقباه. نحن نؤمن بالعدالة و من يؤمن بالعدالة لا يمكن له أن يسقط في فخ التقسيمات الطائفية او الدينية او الاثنية أو حتى الجغرافية.
أكثر من عشر سنوات من جهود الملك عبدالله المتواصلة لبناء صورة الأردن الحضاري في الخارج ضاعت أدراج الرياح, جهود الملك المضنية مع الصحافة الخارجية كان يكفيها قرار حكومي أبعد ما يكون عن الحكمة ليهدم الصورة الحضارية التي كنا نتكنى أن نحافظ جميعاً عليها. فتحولت صورتنا بلحظة من الحضارة الى البربرية و من تفرد النموذج و اختلافه الى مشابهته و محاكاته للنماذج الأخرى.
من أدار الأزمة و استخدم الأساليب البالية المهترئة سواء أثناء الاعتداء او بعده من تصريحات تنم عن فراغ فكري و قصور في الذهن السياسي هو المسؤول. فرسم لنا مشهد حرب شعواء مليئة باعداء و متربصين من الداخل و الخارج. و من المهم السؤال هنا: لماذا يتحدث وزير الخارجية بدلاً من الناطق الرسمي باسم الحكومة؟ و ما هي صفة وزير الخارجية الرسمية في حضور ناطق رسمي باسم الحكومة؟ و على أي حال, نتمنى من وزير الخارجية الذي ظن أنه قادر على تطبيق سياسة التجميل و الترقيع أن يطالع الصحافة العالمية ليرى الأثر الرائع و القدرة الهائلة لكلماته على التأثير على الصحافة الدولية.
لا بد أن نستحضر هنا كلام للراحل الحسين أثناء حفل افتتاح الجامعة الهاشمية و التي تسابقت فيه القوى الرسمية الحكومية لتسجيل حضورها بشدة من خلال هجومها على جماعة الاخوان المسلمين, و كيل الاتهامات لها بالانخراط بسيناريوهات خلق البلبة و الانتماءات الخارجية و كل منهم يظن انه بهذا يحقق نصره التاريخي الذي سيكافئ عليه. و عندما تكلم الراحل الحسين قال قي بداية حديثه:" نحن الهاشميون نعفو عمن أساء الينا و لكننا لا نقبل أن يُساء الى أحد في حضرتنا" ففاجأ الحسين الجميع و أردف قائلاً:" ان الأخوان هم جزء لا يتجزأ من النسيج الأردني" و ذكر ان أحد قيادات الاخوان رد على طرحٍ طالب بحرق عمان " بأننا نحرق من يحرق عمان."
نموذج التلاحم الوطني هو ما نحتاج اليه اليوم, نموذج يكون بعيداً كل البعد عن كيل الاتهامات و خلق الفتن, نموذجُ يجمع لا يفرق, و من يعتقد أنه غير قادر على ادارة المرحلة بهذه الطريقة فليتنحى و ليعلم أنه بتنحيه يخدم الوطن, لأن السياسات العقيمة هي أكثر ما يسئ اليوم للوطن. فآلة الرئاسة كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هي سعة الصدر.
د.عامر السبايلة
http://amersabaileh.blogspot.com