الحزبية والعشائرية والمشاركة في المنظومة السياسية
د. محمد العزة
14-03-2024 12:45 PM
يظن القاريء ان المطلوب هو فصل عناصر العنوان عن بعضهما البعض او إظهار اختلافهما عن بعضهما البعض ، لكن في حقيقة الأمر ماهو الا لبيان مفهوم الحزبية والعشائرية كمفردتين يختلفان بالتهجئة والكتابة ويتفقان بالمضمون من حيث طبيعة الأساس وفكر الانتماء، ودور كلهما في مسيرة الدولة الاردنية مدا وجزرا ، وتحديد مسار اختصاص كل منهما كمساران لا يتقاطعان ولا يختلفان متوازيان ، على مستوى المسار المجتمعي الذي تشكل العشيرة دورا كبيرا فيه والموازي للمستوى السياسي التشريعي والتنفيذي الذي هو من اختصاص الاحزاب السياسية.
العشائرية التي هي فكر اجتماعي يجمع الأفراد ممن تربطهم علاقات النسب وروابط القرابة والوحدة الجغرافية و لطالما كانت العشيرة العمود الفقري للثقافة والهوية المجتمعية للوطن الاردني ومصدر تشريع عرفه وعاداته وتقاليده ، بل هي حجر الزاوية في مشروع بناء الدولة في بدايات التأسيس وتأثيرها القوي في تشكيل دعامات الحكم والسلطة ورافد رجالاتها وكوادرها في القيادة والادارة للمؤسسات الحكومية والعسكرية ، ولقد تزامن دورها مع وجود الحياة الحزبية في بداية الدولة الاردنية وتطورها واستمر هذا الدور في التمدد والتوسع في الوقت الذي شهدت الحزبية والاحزاب حالة من التذبذب في أواخر الستينات إلى اوائل التسعينات من القرن الماضي جراء احداث تلك الفترة ، الأمر الذي جعل الدولة الاردنية تذهب إلى خيار الاعتماد على نهج العشائرية في خياراتها من رجال السلطة وادارتها ، وظهرا هذا جليا في تشكيلات الحكومات وتوزيع الحقائب الوزارية على حسابات جغرافية ،الا ان المتغيرات في أواخر القرن الماضي على مستوى الداخل الاردني والاقليمي في المنطقة لاحقا وتطورات الحياة المدنية و البرلمانية وادواتها التشريعية وثورة الحداثة والتكنولوجيا والاوضاع الاقتصادية، وايمان القيادة الاردنية الهاشمية الحكيمة بمأسسة التشريعات القانونية والدستورية وأهمية النهج الديمقراطي والحفاظ على مؤسساته الشرعية كخيار امثل في الإدارة والقيادة مهدت الطريق إلى الحاجة لتحديث المنظومة السياسية وخاصة مع تراجع جودة المخرجات للعملية الانتخابية على أسس الافرازات العشائرية التوافقية والاتكال على غطائها في استخدام الصلاحيات والتراجع في بذل الجهد لاداء الواجبات الموكولة وتشجيع الهويات الفرعية التي تنبهت الدولة الاردنية وبعثت برسائل قوية في جميع الاتجاهات على ضرورة العودة وتبني الهوية الاردنية الوطنية الجامعة ،ولاحقا اسقاطات المال السياسي وتأثيره السلبي على مستوى الأداء والتمثيل وتراجع تقييم اداء الإدارة والإنجاز ، وازدياد الهوة و ضعف ثقة الرأي العام في الشارع الاردني بالحكومات المتعاقبة التي عجزت عن اداء مقنع يعكس أهمية الثقل الاردني وتاريخه كدولة قدمت انموذجا من النهضة والتنمية والخدمات والعلوم وتصدير الكفاءات كحالة متقدمة على دول المنطقة بل تنافس باداء يشار له بالبنان وهنا جاءت الرؤيا الملكية لإعادة الدور للحياة الحزبية لتصحيح المسارات وتفعيل اختصاصها وضبط إيقاع إدارة الدولة وعلاج الخلل الناتج عن غياب معايير الكفاءة والوعي السياسي والثقافة المعرفية بالدور الرقابي والتشريعي.
ولأن حاجة الأوطان للأحزاب في تنظيم الحياة السياسية وانعكاسها على النواحي الاجتماعية والاقتصادية ضرورة ، وجب الاتفاق واقناع التيار العشائري بعدم التخوف من هذا الطرح او الانصات لمن يرفضوا الخيار الديمقراطي او المكرهين عليه والكارهين له ، والتأكيد على مسارات الاختصاص المتمثلة في الإصلاح الاجتماعي وتعزيز أواصر الوحدة الوطنية والذهاب إلى خيارات افراز المخرجات المؤهلة من الكوادر البشرية القادرة على تمثيلها سياسيا واجتماعيا وتقديمها للانخراط في العمل السياسي العام الأمر الذي سينعكس على الأداء العام للحزبية سواء من نوعية البرامج ومستوى قدرات المسؤولين في ادارة الوزارات والسلطات التنفيذية والتشريعية ونهج التعامل مع القوانين وسنها بما يكفل احترام التاريخ الوطني والاطار القانوني الدستوري ويتلائم والقوام الاجتماعي واعرافه مما يوجد حالة من الدعم لهذا النهج والسير به على طريق النهضة والبناء الهادف لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والاقتصادي.
ان المصلحة العامة عندما تكون بوصلة الجميع وعنوان وطني عريض حينئذ تستطيع جميع المفردات وتطبيقاتها الاجتماع معا وعكس ذلك يحدث الاصطدام واختلال التوازنات وتشابك المفاهيم والادوار والنتيجة هو تعطل العجلة في كل النواحي وبقاء الحال على ماهو او توقع الأسوء من تراجع والوصول إلى الركود وعدم القدرة على المواكبة من تطوارات او فهمها.