يبدو أن نظرية كيسنجر للشرق الاوسط القائمة على "لا حرب الا بمصر ولا سلام الا بسوريا" قد تغيرت وتبدلت أركانها في خضم سياق الأحداث الحاصلة هذا لأن مصر لم تعد فاعلة فى المفهوم الميداني بعد كامب ديفيد وسوريا لم تعد حاضرة نتيجة دخول قوات التضاد إليها "المحور والمركز" وهو ما فرض عليها الوجود بطرف إقليمي غير معياري وما تستخلصة ايضا حرب غزة من واقع تحليلات متابعين.
بعدما ما استطاعت أدوات الحرب الشعبية للمقاومة من ابتعاد السلطة بالنماذج العامة "للدول" واخذت المعارك تدار بأدوات ميدانية شعبية ليست عسكرية تقليدية من مركز غزة كما فى لبنان واليمن والعراق وسوريا، وهو ما جعلها تحدث علامة فارقة ميدانية واخذت الة عمل المقاومة تشكل الجانب المناوئ لنماذج الدول وحالة الند المطلوبة فى حفظ درجة التوازن في المنطقة بعدما فقد نموذج الدولة وزن تأثيره نتيجة الظروف الموضوعية التي جاءت مع تعمق التنسيق الامنى والعسكري مما افقده لدوره وجعل من حركات المقاومه الشعبيه ترسم ميزان الضوابط للمنطقة ومجتمعاتها والتى تعمل من دون نظم هيكلية تستند لنموذج الدولة بالمفهوم النمطي ولمرجعيات الأنظمة بالإطار الدارج الأمر الذي جعلها تحدث درجة التوازن المطلوبة لآلة الحرب الإسرائيلية إثر خوضها بحرب غزة بمعركة تعتبر الأطول مع إسرائيل منذ وجود اسرائيل الكيان كنتيجة من نتائج انتصار دول المركز بالحرب العالمية الكبرى.
وهو ما يجعل من حرب غزة تكون بين اتجاهين مختلفين في المنهجية أحدهما يمثل المنظومة الدولية والآخر يمثل القاعدة الشعبية التى فى حال نجاحها فإنها ستغير حتى اسرائيل من الداخل وستجعلها بالنتيجة أكثر ابتعادا عن المنظومة الدولية وأكثر التصاقا بالمناخات الشعبية التوراتية التى تعيشها، وهو ما يهدد وجودها الداخلى الذى سيكون منقسم بين اتجاهين أحدهما يهودى صهيوني والآخر حريديم توراتي كما يتوقع أن يكون لذلك انعكاسات جوهرية على طبيعة الأنظمة السائدة من ناحية التمثيل الشعبي ومنهجية الحوكمة السائدة ؟!.
الأمر الذي يمكن ملاحظته بشكل متصل من واقع حركة الحزب الديموقراطي التي راحت قواعده الشبابية تغير المعادلة العميقه بداخله مع سقوط القيم الديموقراطية للحزب امام الراى بعناوينه القيمية ومبادئه التي تشكلت عليها يسارية الليبرالية نتيجة الممارسات التي تمارسها الإدارة الديموقراطية الحاكمة في حرب غزة ولم تستطع النخب السياسية من حماية حملة الرئيس بايدن على الرغم من ثقل حجمها وعظيم وزنها الأمر الذي جعله يبتعد عن نتنياهو بشكل دراماتيكي عبر الإحاطة التي قدمها مدير المخابرات الأمريكية أمام الكونغرس وهى الجملة التى تشكل فى المحصلة مؤشر يشير لتغيير جوهرى قادم، وهو ما جعل مستقبلات ردات الفعل تبدوا مستنفرة بعد حركة التضاد الناشئة بين انظمة اللوبيات والحركات الشعبية.
ومع تصاعد حركة المبارزة المنهجية التي تدور رحاها في المنطقة وسرعة انتشارها أخذت القيادة المركزية للمنظومة الأمنية تبحث عن هدنة تجعلها تعيد تشكيل قوامها بعدما سقطت الأقنعة عن منظومة عملها وباتت منهجية عملها التوسعي ظاهرة فى غيبها و لا تضع وزنا للقيم الانسانيه ولا تعير اهتمام للقانون الدولي بعدما أصبحت قراراته حبر على ورق وباتت المنظومة الدولية تكيل بمكيال يقوم على الإذعان وعدم وضع وزنا للإنسان ولا لحياته واخذت الدفه الاخرى من المكيال يغلب عليها درجة التباين المعرفي الذي يأخذ من المبرر دافع لبيان سبب جرمي يراد اقترافه مع محيطه بدعوة امتلاكه الاغلبيه الاسرائيلية.
محاولا بذلك تغيير القيم التي جاء بها سيدنا المسيح و ما بينه القرآن الكريم فى تنظيمية للعلاقة بين الإنسان ومحيطه مستندا بذلك لرواية عرضية تقوم على مقومات انطباعية وهو ما أدى لسقوط الميزان المعياري الذي يشكل عند الجميع ذهنية الثقافة الإنسانية في الحاضرة المتأصلة عند الحركات الشعبية المقاومة كما عند الشبابية منها في الولايات المتحدة وهو ما جعل الرئيس بايدن يصرح عبر "البوليتكو" بأن نتنياهو سينتهي وأن التاريخ سيكتب صفحته التى خاضها ضد القيم الانسانية وهو ايضا ما جعل من الاتحاد الاوروبي يتخذ بالإجماع قرارا يدعو فيه للهدنة التى تفضى لوقف إطلاق النار ويدعو لاصدار قرار أممي يقوم على حل الدولتين ... وهى ذات المعادلة التى دعا إليها الملك عبدالله منذ الحرب البرية على غزة.
وفي المحصلة فإن هذه المعطيات تؤكد عميق خطورتها الباطنية وتنذر لدخول المنظومة الدولية بمنزلق خطير إن لم يحسن استدراكها بحركة إصلاحية تقوم على تمتين جسور العلاقات لتكون منسجمة من النسق العام والمحافظة على القيم واحترام القانون باعتباره مرجعية ناظمه للعلاقات بين الأفراد والدول ... هذا لأن هذه المعطيات تشكل خطورة بالغة على النظام الدولي والمنظومة الأممية إذا ما تعمقت بعد ان اصبحت تهدد النظام الدولي من الداخل وباتت بحاجة إلى برنامج تصحيحي فاعل يعيد ترميم المنهجية المتبعة ويسمح باعادة تشكيل محتواها بما يجعلها قادرة لاعادة رسم الصورة العامة لتكون مقبولة والعمل على ترسيم محتواها بما يجعلها قادرة لاحتواء المتغير السائد، فلقد فرضت الحقيقة الواقعة متغيرات على المعادلات النظرية وأصبحت بحاجة لاستدراك جوهرى قبل فوات الأوان ؟!.