من قلب أردني مخلص في سماء غزة
م. فادي عمرو
10-03-2024 07:38 AM
لم يكن يخطر في بالي وأنا أخوض اليوم تجربة مرافقة نشامى سلاح الجو في إحدى مهماتهم لإنزال مساعدات عاجلة لأهلنا المحاصرين في قطاع غزة ضمن شلال الإنزالات الأردنية المستمر أن المشهد سيترك في داخلي كل هذا الكم من المشاعر والتناقضات
.
كان يخيّل إلي ، كأي أحد، أن التجربة ستحرّض مشاعر مختلطة بين رهبة الطيران وألم المشهد والفخر بالمشاركة فقط ، لكن الواقع فاض ذلك بأشواط ؛ فللحظة وجدتني أعيش شعوراً مختلفاً، فبمجرد أن أعلن طاقم الطائرة أننا أصبحنا فوق قطاع غزة الحبيب شعرت بكمٍ هائل من المشاعر المتضاربة، وتزاحمت الأفكار في ذهني وشعرت وكأن شريطاً من الأحداث المترابطة قد مر في مخيلتي في عجالة وترابط، تذكرت بدايات العدوان وهمجية العدو وعار الصامتين ، تذكرت الطوفان ومشاعر السعادة التي عبّرت عنها الملايين من أبناء أمتنا قبل أن تصطف جانباً وتتخذ موقف المتفرج على هذه المقتلة التي لم يشهد مثلها التاريخ ، تذكرت واقعنا العربي … جذور المأساة منذ احتلال فلسطين ، واستشعرت الخطر المحدق بأمتنا التي تذبح كل يوم، وبالأردن الحبيب الكبير بأهله وجيشه ومواقفه، وهو يفرض على العالم أن يمد يد العون للشقيق، فيبتدع الإنزالات رغم كل المصاعب فيلفت نظر العالم أجمع ويثبت ان شيئاً يمكن أن يقدّم لشقيق محاصر يتآمر عليه معظم العالم ويكتفون بمشاهدته وهو يذبح ويجوّع ويهجّر ، تذكرت المشككين والمضللين الذين لم يتركوا فرصةً لمهاجمة الموقف الأردني المشرّف في هذا الظرف الخطير الحساس … تأملت الواقع واستشعرت كم هو حزينٌ هذا الوطن وسعيد ، حزين لشدة ما يرمى بحجارة المشككين والمتخاذلين ، وسعيدٌ بأبنائه المخلصين وقيادته وجيشه ومؤسساته.
قد يفترض البعض أن دور أي اعلامي أو مؤثر في موقفي هو نقل صورة المساعدات وهي تُلقى من طائرات الشرف الأردني لإنقاذ أهلنا في غزة فقط، سيما وأن إنزال اليوم كان الأكبر على الإطلاق وفتح باب مشاركة أوسع لدول كثيرة التحقت بالركب الأردني المبادر ، لكني في الواقع أرى أولى الأولويات في تقديم صورة المشهد برمّته ، من أجل الحق والواقع والمستقبل ، خاصةً وأنا أنظر إلى القطاع المدمر وأستذكر مشاهد الألم والخطر ، وأتخيل شعور أبنائه المحاصرين وهم يرقبون بمحبة واعتزاز طائراتنا التي تحمل لهم الحياة ، و عيون الأردنيين الفخورة وهي تتابع مشاهد المساعدات فتمنيت لو تتاح لكل أردني فرصة أن يكون مكاني هنا ، في طائرات الشرف وبمعية النشامى لكي يعيش نشوة الشعور بالعطاء والمحبة والواجب تجاه الشقيق، ولكي يعرفوا بالملموس حقيقة المشككين الذين يبتلعون ألسنتهم عن طائرات القتل وغارات العدوان وأنظمة التآمر والتواطؤ ، ليصبوا جام حقدهم وعبثيتهم على بلد النشامى الذي اختط مساراً عظيماً رغم المعيقات والمخاطر وضيق ذات اليد.
أخيراً … ومن قلبٍ عربيٍ أردنيٍ حر يحلّق في سماء غزة الحبيبة التي تدافع عن شرف الأمة ومستقبلها ، ومن على متن طائرات المجد والشرف في سلاح الجو الأردني ، وأمام تناقضات مشهد الموت والحياة أقول لكل مخلص … معركتنا جميعاً هي مع العدو ومخططاته ، وواجبنا هو مساندة أهلنا والدفاع عن أرضنا وتوحيد صفوفنا وجهودنا .. فالقادم خطير ولن ينفع معه سوا الإخلاص والالتفاف حول الوطن ونبذ المرجفين والمشككين … فالأردن يستحق منا الكثير، ونحن قادرون.