عمون - بعد أيام قليلة ستمر الذكرى السنوية الخالدة لمسيرة الملح، التي قادها الثوري الهندي المهاتما غاندي باتجاه البحر، ليس للترويح والترفيه عن جسده الضئيل، ولا للاستمتاع بصيد السمك، أو أخذ حمام شمسي في الرمال الناعمة. ولكن من أجل الملح!.
كانت الإمبراطورية البريطانية تفرض احتكاراً قاسياً على الملح، وتحظر استخدامه، إلا ضمن شروطها وهيمنتها، وهو ما عُد في نظر الهنود رمزاً للظلم والتجبر!، الأمر الذي جعل غاندي يهب من (أحمد أباد) إلى (داندي) على الساحل، متكئاً على عصاه. وعندما يصل البحر يلتقط حفنة ملح، ويقول بهدوء: قد تكسر هذه القبضة التي تحمل هذا الملح!، لكن هذا الملح لن يستسلم طواعية!.
ويكسب الرجل ذو النظارات المستديرة والوزرة القطنية الرهان، بعد أن كرّس حياته سلمياً لنيل حرية بلاده بادئاً التقشف بنفسه مطلقاً شعاره الشهير (احمل مغزلك واتبعني)، وهو وإن اغتِيل على يد متطرف هندوسي، بعد أقل من ستة أشهر على استقلال بلاده، إلا أنه ظل بمغزله النشط، وقبضة ملحه المعبرة، وجسده المفعم بالحياة، ظل نبراساً لتحرر الشعوب، ليس من المستعمرين فحسب، بل من أنفسها وشهواتها وأمراضها ومحتكريها، وتجارها الأشرار!.
ما يذكرني بغاندي أن حياتنا الراهنة غدت أسيرة للمحتكرين ولجشعهم ولتلاعبهم بقوتنا. ومع هذا فنحن لا نقف إلا في دكة المتفرجين. نستنكر رفع أسعار سلعة، ثم نتهافت على شرائها. وكأننا مفطومون عليها، مما يعطي البيئة الخصبة للحيتان لتترعرع وتمارس احتكارها، وتفرض شروطها علينا.
ففي بلد مصاب بسعار الأسعار، كان من المفترض أن يكون لدينا عشرات الجمعيات لحماية المستهلك. التي تقف بالمرصاد لكل جشع محتكر، ولكننا للأسف لا نملك إلا جمعية واحدة، لا نعرف عنها إلا اسم رئيسها المرابط منذ سنوات طويلة. فهل هذه حالة صحية؟!.
قبل سنوات أعلنت جمعية صغيرة لربات البيوت في بريطانيا عن نيتهن التوقف عن شرب فنجان القهوة الصباحي، لأن بعض الشركات نوت رفع أسعار البن، فما كان من تلك الشركات إلا أن اعتذرت، وخفضت أسعارها في محاولة لامتصاص غضب ربات البيوت.
مشكلتنا أن كل واحد منا يعالج فقره بطريقة فردية. نحن لا نجيد العمل بشكل جماعي. ولهذا ينفرد بنا ذئاب الاحتكار. ربما نحن بحاجة لمسيرة ملح موازية. أو لقبضة ملح تفرك في عين المحتكرين ووجوههم التي فقدت ملحتها.
الدستور