المقاطعة وتأثيرها على المنتج المحلي
د. مالك القصاص
09-03-2024 01:43 PM
استخدمت حملات المقاطعة وعلى مر التاريخ كوسيلة للاحتجاج على القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية او البيئية، وقد كان لها تأثير كبير في الغاء او تغيير بعض السياسات والإجراءات بالإضافة على الأسعار كانخفاضها او ارتفاعها في بعض الحالات. نعم يمكن ان تكون أداة فعالة للضغط على الحكومات والشركات لكن يعتمد نجاحها على عدة عوامل، منها قوة الحراك الشعبي الداعم لها، ووضوح الأهداف والمطالب، واستمرارية الحملة.
تباينت مؤخرا مواقف العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين حول تأثير حملات مقاطعة الشركات والمنتجات العالمية، خاصة الداعمة للكيان الإسرائيلي في ظل حربه المستمر على قطاع غزة، فعلى الرغم من التخوفات من تأثير هذه الحملات السلبي على الاقتصاد الاردني والشركات وخصوصا على الوظائف القائمة، فإنها تعد مبادرات لتشجيع المنتجات المحلية وهو ما سيكون له بعض الآثار الإيجابية على الاقتصاد المحلي.
يوجد العديد من الآثار الإيجابية والفوائد التي تعود بها المقاطعة على الاقتصاد المحلي، حيث شكلت فرصة ذهبية امام الشركات المحلية في كثير من البلدان من خلال تغيير أنماط الاستهلاك خصوصا وسط حفاوة و"دعاية مجانية" على وقع تشجيع المقاطعة من جانب النشطاء والمهتمين عبر وسائل التواصل وحتى وسائل إعلام محلية، وزيادة الاقبال على المنتجات المحلية والذي سيقابله زيادة في الإنتاج من جانب تلك الشركات لتلبية الطلب المرتفع، ما يتيح للكثير منهم زيادة حصصهم السوقية أمام المنتجات الأجنبية، وبما يعزز المنافسة. كما ان زيادة الطاقة الانتاجية، سيساهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، الأمر الذي يؤثر على معدلات البطالة.
وبالتأكيد سيساهم كل ذلك في زيادة مساهمة القطاعات المحلية وخصوصا قطاع الصناعة بشكل كبير في الناتج المحلي، فكل دينار ينفق على الصناعة المحلية يعود على الاقتصاد بأكثر من الضعف، بينما يخسر الاقتصاد 50% من كل دينار ينفق على أي سلعة مستوردة، بحسب العديد من الخبراء والاقتصاديين.
بالرغم من الآثار الإيجابية التي تتركها المقاطعة على الاقتصاد المحلي، إلّا أنّه قد ينتج عنها بعض السلبيات التي تنعكس عليه، فقد تعمل الشركات المحلية على رفع أسعار منتجاتها بسبب زيادة الطلب عليها، وخفض جودة منتجاتها لتلبية الطلب المتزايد، وكذلك تزايد ظاهرة احتكار بسبب زيادة قوة السوق للشركات المحلية.
كما وقد تشكل المقاطعة ضرر بالشركات المحلية التي تحصل على حق الامتياز من الشركات الأم "فرانشايز" حيث ستضطر الى تخفيض العمالة وإغلاق بعض الفروع وإيقافها عن العمل، وبالتالي ستؤثر على الاقتصاد المحلي، بينما قد لا تؤثر على الشركات الأم التي تدعم الكيان الإسرائيلي وخصوصا ان الوكيل المحلي لا يقوم بدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة، وفي أغلب الأحوال من يدعم إسرائيل هو الوكيل في إسرائيل. فلا بد أن نفرق بين نوعين من المنتجات: منتجات لشركات مملوكة لمستثمر محلي حاصلة على امتياز وتنتج وتصنع بداخل الاردن وتوظف عمالة اردنية، والمنتجات المستوردة والتي تنتج من شركات اجنبية قد تدعم الحرب على القطاع.
وفي ذات السياق، قد تسبب حملات المقاطعة تأثير على البيئة الاستثمارية، فقد تسبب بإلغاء او تأخير الاتفاقيات الاستثمارية خاصة من قبل الشركات متعددة الجنسيات، مما قد يؤثر على الاقتصاد المحلي.
وأخيرا، فإن المقاطعة يمكن أن تكون أداة فعالة لتشجيع المنتج المحلي، ولكنها يجب أن تستخدم بعناية لتجنب الآثار السلبية المحتملة، فلابد من عمل استراتيجيات وطنية، بالشراكة بين القطاع العام والخاص، لدعم المنتج المحلي "Made In Jordan"، وكذلك لتحفيز الاستثمار بالقطاع الصناعي وزيادة الإنتاج لتحقيق مبدأ الاعتماد على الذات، بالإضافة لتقديم كل ما يلزم من دعم مناسب من الحكومات والقطاع الخاص للشركات المحلية لتوفير منتجات محلية عالية الجودة وبأسعار منافسة.