تزداد الضغوط على إسرائيل ويضيق صبر العالم بسبب سلوكها في غزة، وبالتحديد إعاقتها ومنعها وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين باتت أوضاعهم لا تتماهى مع الحد الأدنى للمتطلبات الإنسانية لبني البشر. إسرائيل تعيق وصول المساعدات وتدخل القليل فقط منها، لأسباب عسكرية وأمنية، وأيضا انتقامية سياسية، وهذا ينذر بكارثة إنسانية في غزة. الضغوط تزداد أيضا على إسرائيل بسبب عملية رفح التي تريد القيام بها، وللآن أفلحت الجهود الدولية بوقف العملية لأنها ستكون كارثة إنسانية، بسبب كثافة السكان الذين تضاعفوا من جراء النازحين القادمين من شمال قطاع غزة. إسرائيل بوجه هذه الضغوط تتعاون مع العالم بالإنزالات الجوية، وقد أوقفت للآن عملية رفح. قامت أيضا الحكومة بإلغاء قرار بن غفير منع مصلين عرب 48 من الذهاب للأقصى، وسحبت هذا الملف من الوزير المتطرف الذي باتت تكلفته على إسرائيل أكبر بكثير مما يتخيل كثيرون. زيارة غانتس الأخيرة لواشنطن كشفت عن حجم الفجوة ونفاد صبر العالم جراء ما تقوم به إسرائيل.
بالمقابل، إسرائيل تعلن، وبكل خبث، بناء آلاف المستوطنات بالضفة، في خطوة غير قانونية تحتاجها حكومة اليمين المتطرفة لتدعيم الائتلاف الحاكم. الحكومة الإسرائيلية في وضع لا تحسد عليه دوليا، وهذا الإعلان استجر عشرات الإدانات الدولية. خطوة تسير بعكس ما تحتاج إليه إسرائيل في هذه المرحلة من تبريد لجبهات الاشتباك السياسي مع العالم. بالإضافة لهذا القرار، يقدم نائب بالكونغرس الأميركي مشروع قرار لتغيير تسمية الضفة الغربية لتصبح يهودا والسامرة. لا يتوقع لهذا القرار أن يمر، ولكن تقديمه وقرار بناء المستوطنات يدلل على حجم التطرف والإمعان به من قبل يمين إسرائيل والداعمين له، وكأنهم يريدون للصدام أن يحدث ولرواية الهرطقة الدينية أن تتحقق، وأن تحدث الحروب لأن عندها سيعود المسيح عليه السلام. هؤلاء لا يريدون ولا يعون فلسفة التعايش والسلام والحق والعدل، هم فقط يعيشون في واقع هرطقاتهم الدينية.
بين هذه المؤشرات وتلك، تأتي الإشارة الأهم والأخطر استراتيجيا، ومن أشد اليمينيين الأميركيين، جون بولتن، المندوب السابق لأميركا في مجلس الأمن، وهو من عتاة اليمين والتشدد، يريد استخدام القوة العسكرية الضاربة في أي وقت ولأي سبب، مشهور بدعمه اللامحدود لإسرائيل. يقول بولتن إن جيله يجب أن يتفاجأ من التغير الكبير في نظرة الجيل الأميركي الجديد تجاه إسرائيل والفلسطينيين. تلك هي الإشارة الاستراتيجية الأهم، والتي تدل على أن التغيير المطلوب قادم لا محالة، وأن قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية، والدعم الدولي السياسي المنقطع النظير لها، أمر غير مستدام ولا يمكن السكون إليه، وأن هذا الدعم يواجه قوة معنوية هائلة مدعومة بسردية الحق والعدل والإنسانية، التي جلبت تعاطفا دوليا متزايدا من العالم تجاه الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير. هذه القوة المعنوية والإنسانية هي سلاح الفلسطينيين النووي الفتاك الذي سيجلب لهم حقوقهم.
الغد