طوفان الأقصى – تحليل السلوك البشري في زمن الاختبار!
د. نعيم الملكاوي
07-03-2024 01:27 PM
في زمن الأزمات ، تتكشف الطباع وتظهر جلية السمات التي تُعري حقيقة الأفراد والمجموعات وتُسقط الأقنعة عن العقول لتشكل ظاهرة مرضية "الإسهال الاجتماعي – Social Diarrhea" والنفاق في التعامل مع الاحداث والأزمات ، لا يعدو كونه مظهراً من مظاهر الدفاع النفسي أو استجابة لضغوط محيطة او منافع لحظية قد تفرض على بعض الأفراد والجماعات التصرف بطرق قد لا تتوافق مع قيمهم الأصيلة ، فيبدأ بالانهمار من منابع كريهة محاولة حرف السوية في التفكير والاستجابة عن مسارها الطبيعي .
خلال الأحداث الأخيرة في "حرب طوفان الأقصى"، شهد العالم مرة أخرى كيف يمكن للظروف القاسية أن تدفع بالناس إلى تبني مواقف قد تبدو متناقضة . البعض يلجأ إلى التعبير الطبيعي عن الأفكار والعواطف التي تعبر صدقية في التفاعل مع الحدث تنطبق مع اصل الفطرة الإنسانية ، فيما يميل آخرون إلى التملق الكاذب أو الظهور بمظهر المتعاطفين دون إخلاص حقيقي للقضية والحدث ، فينتج حالة أخرى من الانهمار المفرط للخيال والتشتت امام الافتراضات المتشابكة بناء على استنتاجات شكلية خاطئة تعبر عن ميلودراما مغلوطة سيدها عدم اليقين والتزلف والبحث عن مكانة او منفعة متصارعاً بذلك مع ذاته وسلامه الداخلي ، فتتعسكر الاطراف احدهما مع الحق والفطرة والأخر مع الهوى وحب الظهور وتعظيم التوافه .
تكشف هذه السلوكيات عن أعماق نفسية معقدة للسلوك الإنساني اثرها قاتل على اللاوعي والتملق الافتراضي يدمر الذات الفردية ليشكل حجر الزاوية للانفصام الاجتماعي " الشيزوفرانيا " والعيش بصراع الشخصيات المتعددة التائهة بين اسهالها الفكري المتضارب .
الأزمات الشديدة مثل الحروب والكوارث الطبيعية تنزع عذرية الأفراد وتضعهم أمام اختبار لقيمهم ومبادئهم . يصبح الفرق شاسعاً بين من يتمسك بالصدق والنزاهة ، ومن يستسلم للخوف والرغبة في النجاة ولو على حساب الآخرين .
هذا لا يعني الحكم المطلق على طبيعة البشر، بل يدعو لتحليل أعمق لهذا السلوك الإنساني . يتطلب الأمر فهماً للدوافع والضغوط التي تشكل تصرفات الأفراد في أوقات الشدة . فالمواقف الصعبة تكون بمثابة مرآة تعكس أخلاقيات الفرد والجماعة ، كاشفة عن الشجاعة والجبن ، الأنانية والتضحية ، الصدق والزيف .
أخيراً ، تُظهر الأزمات الحقيقة المؤلمة والجميلة لحال البشرية الحقيقي . ورغم كل شيء ، تبقى الأزمات فرصة للتقييم والتعلم وتعديل المسارات لهذا التدفق في الأفكار والمواقف والعواطف ، داعية كل واحد منا للتأمل في قيمنا ومبادئنا وكيفية تطبيقها وتوظيفها في أصعب الظروف .
هذا العصف يسعى لتقديم تحليل موضوعي حول كيفية تأثير الظروف الصعبة على السلوك البشري ، مستشهدا بالأزمة الحالية دون الإساءة أو الانتقاص من أي طرف ولكنه فرصة ثمينة لتقييم الذات وتقويمها ورفع مستوى الوعي الذي يلامس الواقع وينبذ الخيال ...