طاهر المصري .. الامتحانات الصعبة
حسين الرواشدة
26-03-2011 04:53 AM
يحظى رئيس مجلس الاعيان طاهر المصري باحترام الجميع، فهو احد خريجي مدرسة السياسة «النظيفة»، وهو من ابرز دعاة «الاصلاح» العابر للمخاوف وسوء التأويلات، وفي ذاكرة الاردنيين للرجل اكثر من موقف: فقد ضحّى بحكومته بعد شهور من تشكيلها انتصارا لمنطق الحفاظ على «النيابة» وقد تمسك «بالهوية» الاردنية الجامعة حين اشعل الآخرون «حرائق» الصراع على الهوية، وقد خرج من كل المواقف التي تبوأها «معافى» من الشبهات التي جرحت الكثيرين.
في كل المفاصل الحرجة، استطاع طاهر المصري ان يجتاز امتحان المسؤولية والشعبية في آن، وان يلتقط «ذبذبات» المراحل التي عايشها بمهارة، وان يستشرف الهزات القادمة ويتعامل معها بمصداقية وصراحة، وقد نجح في ذلك لسبب بسيط –كما اعتقد- وهو ان حسابات الخسارة الشخصية لديه لم تكن واردة، وحدها حسابات الخسارة الوطنية هي التي تدفعه دائما للغياب او الحضور، للقبول او الرفض فلا يهم ماذا يخسر هو، المهم ماذا يكسب البلد.
الآن امام السيد المصري امتحانان صعبان، احدهما امتحان «الحوار الوطني» هذا الذي بدأ «مضطربا» ومجروحا، وأثار الكثير من الانتقادات، ومع انني لا اشك بان الرجل بذل وما يزال كل ما يمكنه من جهد لوضعه على طريق السلامة، والخروج منه بما امكن من «نتائج» تبدد شكوك المتحاورين والمقاطعين.. والناس ايضا، الا انني اخشى من خيبة التجربة، ومآلات الخيبة لا تتعلق برئيس اللجنة فقط وانما بالتجربة ذاتها، وبمرحلة «الاصلاح» التي لا تحتمل مزيدا من التجريب.
الامتحان الآخر يتعلق «بفتوى» نقابة المعلمين هذه التي اصبحت امام المجلس العالي لتفسير الدستور الذي يترأسه السيد المصري، واذا ما تذكرنا بأن المجلس ذاته قد رفض انشاء النقابة قبل نحو سبعة اعوام بذريعة المخالفة الدستورية، فان «نقض» هذه الفتوى او تأكيدها، سيكون امتحانا للرجل، واعتقد ان المسألة محسومة لو توقفت على رغبته هو، ولكنني اخشى ان تعصف رياح السياسة عكس ما يريده ويتمناه، وعندها سيجد نفسه في دائرة الحرج، وهذا ما لا نتمناه.
يعرف السيد المصري ان «استحاقاقات» هذه المرحلة المزدحمة بالمخاضات والمفاجآت تحتاج الى قراءات ومعالجات «استثنائية»، ويعرف ايضا ان منطق «الطلاء» الذي اعتمده الكثيرون قد سقط، وان لغة عصر «الثورات» لم تعد مشفرة، ولا تقبل الترجمة او التأويل، ومن هنا تأتي صعوبة «الامتحان»: فإما ان تكون الاجابات صحيحة ودقيقة وموثوقة وسريعة، وإما ان تكون مبهمة ومغشوشة، وفي الحالتين تصدر الاحكام من دون اي نقاش.
يريد السيد طاهر المصري ان ينجح في المهمتين، وفي غيرهما ايضا، ونريد له ان ينجح، وان يأخذنا –بمواقفه وحاسته الذكية- الى مرحلة جديدة، تؤسس «لتحول ديمقراطي» حقيقي، يتناسب مع أحلام الاردنيين وتطلعاتهم، وهي ذاتها احلامه وتطلعاته.
لكن يبقى السؤال: كيف يمكن للرجل الذي وجد نفسه في وسط ملعب ملغوم بالاحداث والتجاذبات وامام صراعات «فرق» توزعت اجنداتها ،وجمهور عريض من «المتفرجين والمراقبين» ويدير هذه المباراة الصعبة ويخرج منها «بأهداف» حقيقية ترضي الجميع، حتى الذين لم يحالفهم الحظ بتسجيل الاهداف؟ دعونا ننتظر!.
(الدستور)