لي اصدقاء معارضون كثر ، من جماعة الاخوان المسلمين ، ومن الاتجاهات السياسية الاخرى ، ونتفق كثيراً ، ونختلف كثيراً ، غير ان لا احد يسيء للاخر ، لان التخوين والتشكيك محرم ، بين الجميع.
ما اختلف به معهم بكل رفق ، دون اعتداء على نواياهم الطيبة ، هو اختيار دوار الداخلية كموقع للاعتصام واقامة الخيم ، فالتحشيد في موقع حيوي وحساس ، لا يراعي بصراحة رأي بقية الناس ، ممن قد يتضررون من اي اغلاقات او مشاكل قد تحدث في هكذا موقع.
المسيرات تخرج في كل مكان ، وقد خرج اهلنا الكرام في الكرك ومادبا واربد ومعان والسلط وعمان وبقية المناطق ، واثبت شعبنا دوما انه راقْ جداً ، فلم يؤذَ انسان ، في بلد يعرف فيه الجميع بعضهم البعض ، وفي بلد ميزته الاساس الطيب والتسامح.
لم تقمع الدولة المسيرات ، ولا يحق لاحد ايضاً ان يدعي انه اكثر حرصاً من المعارض السياسي على بلده ، لان كل العناوين المطروحة ، هي عناوين يؤمن بها الناس ، من محاربة الفساد ، الى العدالة والمساواة وغير ذلك من شعارات.
غير ان التطابق مع الناشطين السياسيين في قضايا كثيرة ، لا يعني بالضرورة التطابق الكامل ، فاقامة اعتصام عند دوار الداخلية ، والسعي لنصب خيم ، واغلاق دوار الداخلية امر غير مقبول ، لانه يأخذنا الى مواجهة والى تصادم ، لا يريده احد.
العزف على العاطفة الانسانية قد يبدو احياناً ساذجاً ، ولن اقول ان اغلاق الدوار سيؤدي الى الاضرار بمريض او سيارة اسعاف ، او بشخص يريد ان يذهب الى اهله في الزرقاء او محافظات الشمال ، غير ان علينا ان نفكر ، بحيوية الموقع واضرار الاعتصام فيه.
اذا كانت المسيرات تخرج في مواقع كثيرة ، وفي وسط البلد ، ولا يتم منعها ، فلماذا يتم اللجوء الى دوار الداخلية ، وهل يحتمل البلد لا سمح الله اي اغلاقات او مواجهات في تلك المنطقة ، ومن هو المستفيد من هكذا تصعيد غير منتج؟.
هل يراد خلق صورة انطباعية تتماثل مع ميادين التحرير في مصر ، واللؤلؤة في البحرين ، والتغيير في اليمن؟ هذه صورة اعلامية والاردني في غنى عنها ، لان صوته مرتفع ويقول ما يريد في كل موقع ، دون ان يكون بحاجة للقطة اعلامية تتخاطفها الفضائيات.
لماذا نستذكر فجأة اسم الدوار الاساس ، اي ميدان جمال عبدالناصر ، بعد عقود من تسميتنا البديلة له باسم دوار الداخلية ، الا اذا كنا نبحث عن ميدان يتطابق مع الميادين الاخرى في العواصم العربية.
المجلس الاعلى لتفسير الدستور اقر نقابة المعلمين ، وهناك تطورات كثيرة على مسرب الاصلاح ، وان كانت بطيئة ، غير ان مايراد قوله هو عدم اخذ البلد باتجاه تصعيد مفتوح ، او مشاكل سيدفع الجميع فاتورتها.
لا احد يضمن ان يخرج احدهم ليتسبب باراقة دم اردني بفعل انفعال ، او تربص ، لا سمح الله ، ولا احد يضمن بعيداً عن نظرية المؤامرة ، ان لا يأتي فاعل معروف او غير معروف ليرتكب اي فعلة تأخذ البلد الى المجهول.
الاعتصامات والمسيرات والاضرابات كلها دليل وعي ، وشعبنا المتعلم بات ينظم نفسه لاجل قضاياه ، غير ان اختيار دوار الداخلية لنقل النشاطات السياسية اليها ، قرار غير حكيم ، فالمنطقة هي قلب عمان ، وعصبها ، وخنق المنطقة بوجود شبابي وامني ، امر سلبي.
قرار غير حكيم كذات وقف الطرق الخارجية وطريق المطار واي طريق اخر ، لان الوقف هنا يضر بآخرين ، ولا احسب ان احداً يريد الاضرار بأحد آخر من اهله وشعبه.
هناك نفر قليل متشدد جداً يريد اخذ البلد الى اغلاق عمان كلها ، عبر اغلاق الدوار ، وتكديس عشرات الاف السيارات واقفة في مشهد تلفزيوني بحق ، وهذا النفر يريد »اختطاف المعارضة« وتشويه صورتها وسمعتها ، وتقديمها باعتبارها مؤذية للناس.
-معارضين او غير معارضين- بتنا جميعا نتفق على عناوين كثيرة ، وهذا من محاسن الايام ، وتأثيرها على الجميع ، ليبقى اعتراض كثيرين من الناس على قصة دوار الداخلية ، اعتراضا لا بد ان يتم سماعه ، ما دمنا نقول ان هذه الحراكات تمثل رأي الناس.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)