facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"شعلة الحقيقة: آرون بوشنيل، النور في ظلام الصمت"


د. فراس الجحاوشة
03-03-2024 07:10 PM

في لحظة يعجز فيها الكلام عن التعبير، اختار آرون بوشنيل، الطيار الأمريكي، طريق الموت بنفسه، مضحيا بحياته في عمل يمزج بين اليأس والاحتجاج. أغرق جسده بالوقود وأضرم فيه النار، صارخا "فلسطين حرة" قبل أن تبتلعه اللهب، مودعاً الحياة في ريعان شبابه. كانت تلك لحظة احتجاجه الأخيرة على سياسة بلاده تجاه الفلسطينيين والأحداث المروعة في غزة.

في لحظة بالغة الشجاعة واليأس، اختار آرون بوشنيل، الجندي الأميركي، أن يصبح مشعلًا للحقيقة، مضيئًا ظلام العالم بإضرامه النار في جسده أمام بوابات سفارة الكيان الزائل في قلب العاصمة الأميركية. بقداحة بسيطة، حاول آرون إيقاظ ضمير العالم، مكافحًا لإشعال بزته العسكرية، في إصرار يعكس عمق إدراكه وقناعته.

لم تكن النيران التي التهمت آرون مشتعلة من قبل داعش، بل كانت اسرائيل، ذلك الكيان المتواطئ مع الظلم، هي من أشعلت فتيلها. بصفته متخصصًا في الرصد والتجسس الإلكتروني، شهد آرون من موقعه قتل الأبرياء والمقاومين في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وحتى في فيتنام وأفغانستان، جميعهم ضحايا للتنسيق الخبيث مع الإسرائيليين.

كان آرون يتبع أوامر قيادته حتى قرر بتمرد ملحمي أن يضع حدًا لصمته، مفضلًا الاستشهاد بموت طوعي على الاستسلام أو الهروب من الخدمة. إن ما واجهه آرون لم يكن مجرد تحدٍ شخصي، بل كان إعلان حرب على قيم وعقائد تنتهك كل مبادئ الأخلاق والإنسانية.

تمثل تضحية آرون بوشنيل صدمة للمؤسسة العسكرية الأميركية وأيقونة للوعي الجديد الذي يتسرب إلى قلوب وعقول الشعب الأميركي، في ظل تزايد الاحتجاجات وانتشار السردية الفلسطينية. إن حادثة آرون ليست مجرد فعل عابر، بل هي بداية تفكك للنفوذ الصهيوني الذي يسيطر على السياسة الأميركية، وتذكير قوي بأن شرارة صغيرة يمكن أن تشعل نيران العدالة والرفض للحروب الظالمة.


اختار الموت بطريقة مؤلمة ومروعة كوسيلة للتعبير عن رفضه لحرب الإبادة التي تدعمها الإدارة الأمريكية وتسعى لتبريرها. وفي هذا المشهد التراجيدي الذي يصعب نسيانه، يبرز آرون ليس كإرهابي أو مجنون، ولا كعربي أو مسلم، بل كابن بار للمؤسسة العسكرية الأمريكية، يجسد أعلى درجات الاحتجاج واليأس.
في هذه اللحظة المفصلية، يعد عمل آرون بوشنيل بمثابة شعلة أمل تلقي بضوئها على الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، مؤكدًا على القيم الإنسانية العميقة التي تتجاوز حدود الجنسية والدين. الشجاعة الاستثنائية التي أظهرها آرون، وتضحيته النهائية، لم تثنِ فحسب على شجاعته وإخلاصه للعدالة، بل كانت أيضًا بمثابة جسر متين يربط بين قلوب وعقول العرب وكل مناصري القضية الفلسطينية حول العالم.

لقد أصبح آرون بوشنيل رمزًا للتضامن الإنساني، محفزًا موجة من الأخوة والتآزر غير المسبوقة بين الشعوب المختلفة التي تقف جنبًا إلى جنب في دعم العدالة والحرية لفلسطين. ترك آرون وراءه إرثًا يعبر عن الإيمان الراسخ بأن العدالة والسلام يمكن تحقيقهما فقط من خلال التضامن العابر للحدود والثقافات.

عبر هذا الفعل الشجاع، لم يُكرم آرون الشهيد حياته للقضية الفلسطينية فحسب، بل أيضًا لعمق الروابط الإنسانية التي يمكن أن تنشأ في أحلك الأوقات. إن ذكرى آرون بوشنيل، والأخوة التي نمت بين العرب ومناصري القضية الفلسطينية، ستظل شاهدًا على القوة العظيمة للإنسانية والتعاطف، محفورة في قلوبنا إلى الأبد.

ما حلّ بغزة المثخنة بالجراح ليس إلا خير شاهد على براثن الصهيونية الأمريكية، تلك القوة المدمرة التي تضرب بجذور الفتنة وعدم الاستقرار في عمق الشرق الأوسط، اليوم وفي المستقبل المنظور. هذا الانحياز الأعمى للدولة العبرية يغذي تصاعد تيارات اليمين المتطرف داخل إسرائيل، تيارات ترفض الحوار وتنكر أبسط قواعد التعايش، مما يجعل المقاومة، بأبسط أشكالها، الخيار الوحيد للدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.

في هذا السياق المأساوي، يبرز تضحية الطيار الأمريكي آرون بوشنيل كصرخة ألم عميقة ضد واقع سياسي واجتماعي وأخلاقي متهالك. أمريكا، التي كانت يومًا مثالًا للإعجاب، تجد اليوم نفسها مواجهة برفض عالمي شاسع لما يسمى بـ"النموذج الأمريكي". اختيار آرون للانتحار بزيه العسكري يحمل صدى موجعًا لقصة الكاتب الياباني الذي آثر الموت على طريقة الساموراي، احتجاجًا على انبطاح مجتمعه أمام غول الأمركة. كلاهما شهد تحول أوطانهما إلى ظلال باهتة لما كانت عليه، فأدركا أن الكرامة والهوية تستحق القتال من أجلها حتى الرمق الأخير.

يشعر الشباب في الولايات المتحدة بالاستياء العام تجاه سياسات الرئيس بايدن، والتي أدت إلى تدهور صورة البلاد ومكانتها العالمية، حتى باتت في موقف دبلوماسي معزول، كما تشهد على ذلك صحيفة لوموند. استطلاع للرأي نشرته "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا" في ديسمبر الماضي بيّن أن حوالي 75% من الناخبين الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، يعارضون بقوة الدعم الكبير الذي يقدمه بايدن لإسرائيل خلال النزاع.

عطفا على ما سبق تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة من الأزمة الأخلاقية، حيث يعكس التصرف الذي قام به هذا الشاب، العامل في القوات الجوية، النزاع العنيف والمحزن الذي يختبره العديد من الأمريكيين، ربما يصل عددهم إلى عشرات أو حتى مئات الآلاف. هذا الصراع يتمثل في التباين بين القيم التربوية التي تلقوها خلال مسيرتهم التعليمية، وبين الإجراءات السياسية والعسكرية التي يتبعها القادة، والتي تصل إلى حد توزيع الأموال الطائلة بشكل غير مسؤول لفائدة ما وصفهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، بـ "العصابة". أكد أولمرت على أن سيطرة إسرائيل على غزة ليست سوى خطوة ضمن خطة حكومة بنيامين نتنياهو لـ "تنظيف" الضفة الغربية من الفلسطينيين، إخلاء المسجد الأقصى من المسلمين، وضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :